Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حزب الدعوة الإسلامي الشيعي في العراق وحكومته

أ.د/ طه جابر العلواني

حزب الدعوة: حزبٌ أسَّسه الراحل الشهيد محمد باقر الصدر في نهاية الخمسينيَّات، ومحمد باقر الصدر كان مجتهدًا شابًا، يُعد من أفضل من تخرَّج في الحوزة النجفيَّة، وقد كتب الرجل كتابات قيِّمة منها: عقيدتنا، وفلسفتنا، والمدرسة القرآنيَّة، واقتصادنا. وكان الرجل ينتسب إلى الإسلام بعمومه، ويتحرى أقوال أهل البيت ومذاهبهم مثل أي شيعي عربي إمامي أم زيدي، وحين أسَّس حزب الدعوة الإسلاميَّة؛ التف حوله تلامذته وأبناء مدرسته، الذين كان يجمعهم حب القرآن، والعمل على التمكين للقرآن، وإعادة بناء وحدة الأمَّة حول القرآن المجيد. ولم يكن السيد الصدر طائفيًّا، أو مبغضًا للسنَّة، أو عدوًا لهم، ولم يكن يكفر أحد من أهل القبلة.

كان يحب العراقيين كافَّة، ويتحرق شوقًا لإعادة بناء الأمَّة، والتمكين لوحدتها، لكن بعض من نسبوا أنفسهم إليه وادَّعوا تتلمذهم عليه واتباعهم لنهجه كرهوا السنَّة، واستولت عليهم المشاعر الطائفيَّة، وتمكنت من عقولهم الطائفيَّة السياسيَّة، وثقافة الحق الشيعي الضائع، وعملوا على الانحراف بحزب الدعوة، وأخذه باتجاه المضائق الطائفيَّة العفنة، واعتبروا حزب الدعوة رد فعل شيعي طبيعي على انتشار الاتجاهات الإخوانيَّة بين الشباب السنِّي في العراق، ثم اتجاهات حزب التحرير، وبدأوا يتجهون في الحزب دون إرادة من الشهيد الصدر نحو تلك المضائق المتعفنة؛ ليجعلوا منه رد فعل شيعي طائفي على الاتجاهات الإسلاميَّة في المحيط السنِّي.

ومنذ ذلك التاريخ والحزب يتجه نحو الطائفيَّة السياسيَّة، وثقافة رد الفعل ضد السنَّة، إلى أن استشهد السيد محمد باقر الصدر وأخته نور الهدى الصدر على أيدي حاشية صدام، وكانت ظروف استشهاده غامضة، قريبة من ظروف اغتيال الإمام موسى الصدر في لبنان، الذي لم يُعرف مغتالوه حتى اليوم، فقد كثرت الشائعات حول الدوافع التي دفعت بصدام  إلى قتل الإمام الصدر وأخته، وربط البعض بين رسالة معلنة أرسل بها الراحل الخميني إلى الإمام الصدر وهو معتقل يهدد من يعتدي على الصدر بالموت، وعُدت تلك الرسالة في حينها تحريضًا غير مقصود أو مقصود -والله أعلم- لصدام على التعجيل بتصفية الإمام الصدر. وليت حزب الدعوة وهو في سدّة حكم العراق اليوم يفتح تحقيقًا أمينًا حول استشهاد الصدر، وظروف استشهاده وأخته نور الهدى؛ فقد يثلج ذلك صدور الكثيرين ويبيِّن بعض الحقائق.

ولو فرضنا أنَّ صدامًا بدون رسائل وبدون تحريض وبدون أي شيء اندفع للقضاء على الصدر بدوافع طائفيَّة، فإنَّ صدامًا قد قضى على عبد العزيز البدري الداعية السنِّي المشهور في يوم 26/6/ 1969، وذهب شهيدًا إلى ربه بعد أن عانى التعذيب لبضعة أيام، وانتهى تلك النهاية الحزينة، حيث أحرق جسده الذي حوله جلادوا ناظم كزار إلى مطفأة سجائر، وإلى إهاب خرج من تحت أيديهم وكأنهَّ غربال، من كثرة ما غرزوا في جسمه الطاهر من مسامير وسواها، ولم يقل صدام ولا غيره هذا عالم سنِّي، وداعية عربي؛ لأنَّ الرجل لم يكن يهمه إلا قوائم عرشه، ومساند كرسيّه في تلك السلطة القذرة التي هيأت لهذا الدمار الشامل الذي يعاني العراقيين منه.

واليوم يتناسى هؤلاء تلك الجرائم البشعة التي شملت السنَّة والشيعة والنصارى واليهود والصابئة وسواهم، ولم تقتصر على فئة من فئات العراقيين، فإلى متى يقتل العراقيون ويشردون وتدمر بلدانهم، وتسحق كراماتهم بأيدي أناس يدَّعون الانتماء إليهم، ويزعمون أنَّهم حملة دعوة، ودعاة دين.

إنَّ العراقيين اليوم يعيشون بين مجازر داعش وداحس وسائر الفئات الغبراء، ومجازر حزب الدعوة والفئات الطائفيَّة. فهل من أجل ذلك استشهد الصدر ونور الهدى، وقبلهما عبد العزيز البدري، ومحمد فرج، وعبد الغني شندالة، وعبد الستار العبودي، وجابر حسن حداد، وغيرهم وغيرهم كثير؟

ولا يجد المرء ما يقوله وهو يرى الفلُّوجة تدمر، وغيرها من مدن السنَّة، وقد شهدت في طفولتي احتلال البريطانيين للفلُّوجة، فما هدموا بيتًا، ولا قتلوا طفلًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا هدموا مسجدًا، واحتلوا المدينة لخمسين يومًا ثم غادروها، وحاول الأمريكان احتلالها فصمدت وقاومت، وها هو جيش حزب الدعوة الإسلاميَّة النجفي العربي الشيعي لم يكد يبقي على حجر ولا مدر ولا شجر فضلًا عن إنسان أو حيوان في تلك المدينة الصامدة.

أنا لا أعتب كثيرًا على المرجع السستاني، دام ظله، واختفى شخصه، لكنَّني أعتب كثيرًا على مقتدى الصدر، والشيعة العرب في العراق، وآل الحكيم، والخوئي، ورجال الحوزات العرب على سكوتهم المريب على المذابح التي فاقت المذابح الشعبانيَّة بمئات المرات، وتجاوزت سائر الحدود والأبعاد، وإذا كان لي أن اختم هذه المقالة بشيء فإنِّي لا أجد خاتمة أفضل من قصيدة الرصافي، التي كانت رثاء للعراق والعراقيين مسبقًا، وكأنه تقبل العزاء في العراق والعراقيين في ذلك التاريخ، يقول الرصافي:

أنا بالحكومة والسياسة جاهلُ *** عما يدور من المكائدِ غافلُ

لكنني هيهات أفـْقهُ كوننا ***شعبًا يتامى جـُلـّهُ وأراملُ

في كلّ يومٍ فتنةٌ ودسيسةٌ *** حربٌ يفجّرُها زعيمٌ قاتلُ

هذا العراقُ سفينةٌ مسروقةٌ *** حاقت براكينٌ بها وزلازلُ

هو منذ تموز المشاعل ظلمةٌ *** سوداءُ، ليلٌ دامسٌ متواصلُ

شعبٌ إذا حَدّقـْتَ، كلُّ جذوره *** اقتـُلِعـَتْ، وإن دققتَ شعبٌ راحلُ

إما قتيلٌ شعبـُنا أو هاربٌ *** متشردٌ أو أرملٌ أو ثاكلُ

هذا هو الأمل المرجى صفقةٌ *** أثرى بها الوغدُ العميلُ السافلُ

هذي شعارات الطوائف كلها *** وهمٌ، سرابٌ، بل جديبٌ قاحلُ

والقادة “الأفذاذ”! سربٌ خائبٌ *** هم في الجهالةِ لو نظرتَ فطاحلُ

هذا هو الوطنُ الجميلُ مسالخٌ *** ومدافنٌ وخرائبٌ ومزابلُ

سحقًا لكم يامن عمائِمكم كما *** بـِزّاتكم، شكلٌ بليدٌ باطلُ

سحقًا كفى حِزبيةً ممقوتةً *** راحت تـُمايز دينـَها وتفاضلُ

ما الحزبُ إلاّ سرُّ فـُرقةِ رُوحِنا *** فقبائلٌ هو شعبُنا وعوائلُ

في كل حزبٍ مصحفٌ مُوحى به *** وبغار حـَرّاءٍ ملاكٌ نازلُ

في الثأر أوطانُ التطرفّ مسلخٌ *** متوارثٌ أو مذبحٌ متبادلُ

في كلِّ حزبٍ للنواح منابرٌ *** وبكل قبوٍ للسلاح معاملُ

ولدق رأس العبقريِّ مطارقٌ *** ولقطع عنق اللوذعيِّ مناجلُ

أنتم بديباج الكلام أماجدٌ *** وبنكث آصرةِ الوفاء أراذلُ

لا لم تعد نجفٌ تفاخرُ باسمكم *** لا كوفةٌ، لا كربلا، لا بابلُ

ما أنتمُ إلا بناءٌ ساقطٌ *** نتنٌ مليءٌ إرضةً متآكلُ

أنتم كأندلس الطوائفِ أُجهضتْ *** والموت إما عاجلٌ أو آجلُ

هجرت عباقرةٌ مساقطَ رأسِها *** وخلافها، لم يبق إلا الجاهلُ

لم يبق إلا الجرحُ قد خدعوه إذ *** قالوا لنزفه أنت جرحٌ باسلُ

لا ياعراقُ ثراك نهرٌ للدما ***وعلى ضفافِه للدموع خمائلُ

الأرض كل الأرض من دم شعبنا *** اتقـّدَتْ مصابيحٌ بها ومشاعلُ

الأرض نبع الحُبّ لولا شلةٌ *** هي حابلٌ للأجنبيّ ونابلُ

يتآمرون على العراق وأهلِهِ *** زمرٌ على وطن الإبا تتطاولُ

فهنا عميلٌ ضالعٌ متآمرٌ *** وهناك وغدٌحاقدٌ مُتحاملُ

“شايلوكْ”جذلانٌ بكون بلاده *** فيها مآسٍ جمةٌ ومهازلُ

ومتى العراقُ مضى ليرفعَ رأسَهُ *** دارت فؤوسٌ فوقـَهُ ومعاولُ

تـُجـّارنا أوطانـُهُمْ صفقاتـُهُمْ *** هم في الخيانة والرياء أوائلُ

لكن برغم صليبنا ونجيعنا *** فيسوع جلجلة العذاب يواصل

يحيا العراق برغم شائكة الدما *** للنور نبعٌ للحياة مناهلُ

لا تبكِ قافلةً تموت، فإثرها *** ازدحمت على درب الفداء قوافلُ

ما أعظم الوطن الفخور بحتفهِ *** متشائمٌ بحياته، وبموته متفائل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *