Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مدخل لفهم بعض ما يجري في وطننا العربي الآن

أ.د/ طه جابر العلواني

ظهرت في العالم الإسلامي طائفة تسمى الحشاشية، وهم طائفة الإسماعيليَّة النزاريَّة، انفصلت عن الفاطميين أواخر القرن الخامس الهجري، مقرها الشام وبلاد فارس، وإمامها نزار المصطفى لدين الله، ومن جاء من ذريته، ومؤسسها الحسن بن الصباح (1094م-1124م) (487 هـ-518 هـ) الذي اتخذ من قلعة آلموت في بلاد فارس مقرًا لنشر دعوته، حيث انعزل الحسن عن الفاطميين نتيجة خلافات سياسيَّة وغادر إلى أصفهان 1081م واختار قلعة آلموت فوق جبال البورج لبعدها عن خطر السلاجقة، وكوَّن مجموعة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيليَّة وسماها ب”الفدائيين” كانت مهمتها اغتيال  الأعداء من السياسيين والدينيين للإسماعيلية.

لم يفاجأ الناس بالأحداث التي حدثت هذا اليوم من تفجيرات في مساجد بتلك الطرق البشعة التي جرت فيها، ومنذ أن بدأت الفتن تجتاح المنطقة ويشارك فيها أناس مختلفون سنة وشيعة وآخرون، وفقدت المساجد قيمتها، وأنَّها: ﴿ .. بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ(النور:36-37)، وصارت المساجد سنيَّة أو حسينيَّات شيعيَّة أماكن خوف ورعب وهدف تدمير، والله (جل شأنه) يقول: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(البقرة:114)، ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين أو مخيفين إرهابيين، يدخلون الرعب على قلوب الذاكرين، ويجعلون المساجد ميادين قتال، وتفجيرات، وتدمير، وفتن، بدلًا من أن تكون واحات أمان، إليها يلجأ الخائفون، وفيها يأمن المضطرون. فلصالح من يعمل هؤلاء؟

 تبنت داعش تفجير الكويت، وهناك تفجيرات أخرى لم يعلن أحد عن تبنيها، لكنها حدثت، فمن هؤلاء الذين يقومون بكل هذه الجرائم؟ ما دينهم؟ ما مذاهبهم؟ ما أهدافهم؟ ما غاياتهم؟ وهل من علاج؟ وهل صحيح أنَّ المعارف الإسلاميَّة الدينيَّة مسؤولة عن تغذية فكر هؤلاء؟.

هناك مدخل يمكن اتخاذه مدخًلا تفسيريًّا لهذا الذي حدث ويحدث، هذا المدخل أنَّ السيد لاريجاني وهو شخصيَّة سياسيَّة صفويَّة في إيران صرح قبل فترة تصريحًا عجيبًا مفاده بأنَّ الثورة الإيرانيَّة تستهدف إعادة بناء إمبراطوريَّة فارسيَّة، وهذا الهدف هدف لا تتنازل عنه، وعلى دول الخليج ومن يدعمها أن تدرك أنَّ الإمبراطوريَّة ستقوم، وقد تلقي بهم جميعًا إلى شبه الجزيرة العربيَّة من جديد؛ لأنَّها موطنهم وموقعهم الأصلي، ثم تبعه السيد روحاني بقوله: إنَّنا نحب بغداد، وننظر إليها على أنَّها العاصمة الصيفيَّة للإمبراطوريَّة الفارسيَّة، فهي جزء من تاريخنا، وأراضينا، وخرج تهديد ثالث بأنَّ الكويت تعتبر عمقًا استراتيجيًا لنا نحن الإيرانيين، ولا نستطيع أن نتركها لغيرنا طويلًا ليتحكم فيها وفي ثرواتها، وأردف هذا الاريجاني ذلك بقوله: نحن لا نريد من هذه الدول التي تسمى دولًا وهي ليست كذلك أن تعرقل مشاريعنا في إعادة بناء إمبراطوريتنا، وأيَّة محاولة لذلك ستبوء بالفشل الذريع، وتنتهي بهروب العرب إلى شبه جزيرتهم حول مكة والحجاز.

وتحتفظ الذاكرة الإيرانيَّة فيما يتعلق بالعراق بأمور غريبة، ففي فترة الصراع الصفوي التركي العثماني كانوا -أعني الفرس- كثيرًا ما يعظمون مقبرة النجف التي تعتبر عند الشيعة أقدس من البقيع وأطهر، وعن المدفونين فيها يبدأ إحياءهم قبل البشر كافَّة، والأخذ بهم إلى الجنة؛ ولذلك فقد كان الإيرانيون حينما يكون الأتراك مسيطرين على العراق قد يضطرون لتقطيع جثث موتاهم قطعًا ويرسلونها بأكياس لتدفن في مقبرة السلام بالنجف، وطبعًا قد تتعفن الجثث في الطريق، ويحدث لها ما يحدث، مما يجعلهم حريصين على الاستيلاء على العراق؛ لكيلا تكون عتباتهم تحت سلطان خصومهم أيًا كانوا.

ومعلوم أنَّ العراق طيلة الحروب الصفويَّة العثمانيَّة التي امتدت إلى ثلاثة قرون ونصف كان كلما استولى الصفويّون على العراق فإنَّ البعض يعد ذلك انتصارًا للشيعة، وإذا استولى الأتراك العثمانيّون على العراق عد ذلك انتصارًا للسنة، ويؤسفنا أن نقرر حقيقة تاريخيَّة هي أنَّ تلك الصراعات أسست لطائفيَّة مقنعة، أو مكشوفة، وهذا بالنسبة للعراق أمر يمكن فهمه، ولكن ماذا عن الكويت والسعودَّية والبحرين والإمارات، إنَّهم يصرون على أنَّ الخليج بضفتيه خليج فارسي، ومنذ عهد الشاه وإيران ترفض بل تجرم أحيانًا من يقول: الخليج العربي؛ ولذا فقد أراد الإعلاميّون وغيرهم التخلص من هذا المشكل بإطلاق الكلمة “الخليج” دون وصف أو إضافة إلى الفرس أو إلى العرب.

هناك نقطة أخرى أود أن أضعها بين أيدي المعلقين وذوي التحليلات السياسيَّة، وهي: أنَّ الشاه الإيراني كان يريد ويعمل على أن يعيد الدولة الفارسيَّة القديمة، واللغة الفارسيَّة القديمة، وكان يحاول أن يقطع بين الإيرانيين وبين تاريخهم الإسلامي، واللغة العربيَّة، والعلاقات الإيرانيَّة العربيَّة، إلا على مستوى التسلط الإيراني على العرب، وكان يقدم جوائز لكل من يقترح استبدال كلمة أو مصطلح أو مفهوم من اللغة العربيَّة -التي دخلت الفارسيَّة حتى صار حوالي أربعين بالمائة من كلماتها- بكلمات فارسيَّة، فحاول العودة إلى الفارسيَّة القديمة، وكان يوصي المعلمين ومدرسي اللغة إذا لم يستطيعوا أن يجدوا كلمة فارسيَّة قديمة فليأخذوا من اللغة الفرنسيَّة كلمة تعطي المعنى المطلوب، المهم عنده أن ينتهي ذلك التداخل بين العربيَّة والفارسيَّة، ولولا نفوذ الحوزات الدينيَّة وتشبثها بالخط العربي والكلمة العربيَّة -إذ لا يمكن دراسة القضايا الدينيَّة دون تشبع باللغة العربيَّة- لانتهت معظم العلائق الثقافيَّة بين العرب والفرس.

والآن من المستغرب أن يحرص رجال الدين وحجج وآيات على أن يتبنوا كثيرًا من سياسات الشاه، وأذكر أنَّني كنت في زيارة لمجمع التقريب، وتساءلت عن ذلك مع كبار رجال الحوزات وبعض مدراء الجامعات، فقالوا: لقد حاولنا أن نغيِّر في سياسات الشاه، وأن نكسب العرب، ونتعاون معهم، لكنَّنا لم نر منهم إلا الصدود والإعراض، ولقب الملالي، والسخرية من سياساتنا والتشكيك فيها؛ ولذلك فإنَّنا لا نستطيع أن نفرط بالمكاسب التي حققها الشاه؛ لأنَّ ذلك سيعد بمثابة خيانة وفشل بالنسبة لنا، فلن نعيد للعرب شط العرب، ولن نعيد جزر الإمارات إليها، لأنَّها جزر إيرانيَّة، ولا نريد أن يقال: تسلمتم إيران بالوضع الفلاني وقد فرطتم في أراضيها أو في حدودها أو مياهها، فإنَّنا إن لم نزد على ذلك ونوسع أو نتوسع فإنَّنا لن ننقص منها شيئًا. ناقشت كثيرًا  هؤلاء وفيهم مسؤولون كبار في مجالات الدعوة ومقربون إلى المرشد الأعلى، وذووا مناصب رفيعة، ولم أجد بينهم من يقول غير ذلك. قلت: وكيف توفقون بين الانتماء إلى الأمَّة والعمل على إنهاضها وبين هذه النزعة القوميَّة والإقليميَّة الطاغية؟ فدافعوا عن أنفسهم وطال النقاش، وأدركت منذ ذلك الحين أنَّهم مؤمنون بذلك الدور الذي مارسه الشاه، دور الشرطي في المنطقة، وكل ما يحتاجه الشرطي ليكون شرطيًّا معتمدًا من قبل أصحاب النفوذ في المنطقة مثل الأمريكان وإسرائيل أن ينفذ تلك السياسات المدمرة والمفرقة، وللأسف ضيعوا كل ما نادوا به سابقًا قبل ما أطلقوا عليه الثورة الإسلاميَّة وبعد ما نجحوا في السيطرة التامَّة على إيران، وها هم اليوم تحتل أمريكا العراق وتفككه، وتدمر جميع بنيته التحتيَّة، ثم تسلمه إلى طهران على طبق من فضة؛ لأنَّ السياسات الإيرانيَّة والمتعاملين معها من العملاء العراقيين نجحوا في إقناع الأمريكان وإسرائيل بأنَّ القرن العشرين كان قرن السنَّة، وحكوماتهم، وقد آن الأوان للشيعة أن يحكموا، فالسنَّة كانوا عملاء لبريطانيا وهم الذين مدوا نفوذها وهيئوا لسيطرتها على المنطقة، وقد آن الأوان أن يتسلم الشيعة زمام الأمور، وإدارة المناطقة النفطيَّة لصالح الغرب ولصالحها.

إنَّ معظم شيعة العراق يعتقدون أنَّ الشيعة يمثلون خمسًا وسبعون أو خمسًا وثمانون في المائة من نفوس الشعب العراقي؛ لذلك فهم الأولى بحكم العراق والأحق بإدارته، وحين سمعت ذلك الكلام من بعضهم في بعض اللقاءات دهشت، وقلت: إنَّ آخر إحصاء عثماني حدث في العراق قبل انهيار الدولة العثمانيَّة وسيطرة البريطانيين كان يؤكد على أنَّ الإخوة الشيعة في العراق لا يزيدون عن ستة عشر في المائة، وأنَّ المكاسب التي نالوها في ظل حكمٍ أطلق عليه عنوان سني جعلتهم يحصلون على ما يريدون، ويتغلغلون في كل شيء، وفي أيام النظام الملكي كانت هناك عمليَّة توازن مقصودة حرص عليها العهد الملكي بقطع النظر عن الأعداد والنسب.

كما أنَّ الانتماء إلى الشيعة أو السنة انتماء متحرك، فمعظم قبائل الفرات الأوسط كانت سنيَّة تحولت إلى المذهب الشيعي؛ لأنَّ الحوزات كانت تحرص على تكثير الأتباع ليأخذوا منهم الأخماس أو الحقوق وينموا ثروات المرجعيَّات، أمَّا السنة فلم يكونوا يعنون بعمليَّات التبشير بالمذهب، وتوسيع دائرة التسنن. هذه جملة من الحقائق وددت أن أجعل منها مداخل للتحليل تساعد أولئك الذين يخبطون خبط عشواء في تحليلاتهم ونتائجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *