Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الأصل تفسير القرآن بالقرآن 1

أ.د. طه جابر العلواني

أيحتاج القرآن إلى التفسير؟

أكثر القرَّاء في جيل الصحابة وعلماء جيل التابعين كانوا يرون أنَّ القرآن المجيد بيِّن في ذاته، وهو في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة العربيَّة، وأنَّه لا يحتاج إلى تفسير بالمعنى المعروف اصطلاحًا للتفسير[1]؛ لأنَّ الله -جل شأنه- جعله ميسَّرًا للقراءة والذكر، ويشتمل على كل المؤثرات التي تجعله قريب الفهم لا يستعصي فهمه على أحد من الناس. قد يصعب فهم الأمور الدقيقة مثل ما يحتاج إلى استنباط واستدلال وتعليل على عامَّة الناس لكنّ ذلك لا يمنعهم من إدراك بعض المعاني الأساسيَّة، لأنَّ القرآن كريم، فهو يمنح أيَّ قارئ للقرآن الكريم أو سامع لآياته من كرمه، ولا بدّ أن يحصل منه القارئ أو السامع على بعض المعاني التي تقنعه بأنَّه قد عاد بشيء من المعنى بحسب مستواه وطاقاته في الفهم مهما كان بسيطًا، ولكن حين يكون المراد القيام  بعمليَّات الاستنباط لاستخراج الأحكام الفقهيَّة فهنا يحتاج الناس إلى أدوات وشيء من العون لمساعدتهم على استنباط الأحكام والوصول إلى دقائق المعاني؛ ذلك لأنَّ في الألفاظ ما هو عام مثل: “كل” و”جميع” وخاص مثل: “بعض” ونجد في القرآن نداءات متنوعة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ… أو ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ …﴾أو ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا…﴾ ومن القرآن ما هو مطلق مثل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ… بدون تقييد ومنه ما هو مقيَّد، وقوله تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ…﴾ (البقرة:196) فتدل على مطلق الأيام الثلاثة إذ المهم هنا العدد، ويأتي في موضع مثل: ﴿ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ… بحيث يكون التركيز على التتابع، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى خبرة ومعرفة قد لا يستطيع عوام الناس الوصول إليها فتقتضي وجود قادرين على فهم اللغة، والتمييز بين ما هو عام وخاص، أو مطلق ومقيد، أو ما قيد بشرط أو صفة أو لم يقيد بأيّ منهما إلى غير ذلك.

 وقد ظهر شيء من ذلك في عصر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فجاءه أصحابه يومًا وقد نزل قول الله تعالى: ﴿… وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ…(البقرة:187)، روى البخاري في صحيحه من حديث عديّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: إنَّك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا؛ بل هو سواد الليل وبياض الفجر»[2]. وقد نزل قول الله تعالى: ﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ … (البقرة:284)  ففهموا أنَّ الله سوف يحاسب الناس على الخواطر التي تخطر على أذهان الناس في مختلف الأحوال كما يحاسبهم على ما يقولون بألسنتهم ويجاهرون به ويتبنونه ويدافعون عنه، فجاؤوا النبي وقالوا يارسول الله: (إن كان الله سيحاسبنا على كل ما يخطر في أذهاننا فإنَّنا هالكون جمعيًا وذاهبون إلى النار) وهذا يعني أنَّهم فهموا العموم في قوله تعالى: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ … (البقرة:284) فلفت  نظرهم إلى أنَّ العموم في الآية غير مراد، فالأفكار السيئة إذا خطرت لا يكون الإنسان مسئولًا عن مجرد خطورها على باله؛ لأنَّ منع جميع الخواطر والأفكار ليس في مقدور الإنسان السيطرة عليها كما في قوله تعالى: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا… (البقرة:286)، التي تبيِّن أنَّ مسئوليَّة الإنسان قاصرة على ما يستطيع دفعه والسيطرة عليه واجتناب العمل به، والمسئوليَّة  مقيدة بالاستطاعة، وقد تكرر ذلك في أمور أخرى فحين نزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ…﴾ (آل عمران:102)، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ (آل عمران:102 )، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَقُّ تُقَاتِهِ؟ قَالَ: أَنْ يُذْكَرَ فَلا يُنْسَى، وَيُطَاعَ فَلا يُعْصَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنْ يَقْوَى عَلَى هَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (التغابن: 16 )«[3].

فهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يوجههم نحو القرآن الكريم ليفسروا به ما قد أحكم ببعض ما فصّل أو ما يسميه الأصوليّون (المجمل بالمبيّن)، وذلك يغمض عليهم من معاني بعض الآيات شيء وبذلك يكون منهج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في تفسير القرآن وبيانه يقوم على أمرين:

 الأمر الأول: أن يقرأ عليهم ما ينزل عليه، ويعلمهم المراد به على الشكل الذي ذكرناه ألا وهو ربط آيات الكتاب بعضها ببعض في سياق متصل ليفهم منها المعنى الصحيح ومراد الله تعالى بما أنزل انطلاقًا من الإيمان بالوحدة البنائية للكتاب الكريم؛ وأنَّه في إطار هذه الوحدة يفسّر بعضه بعضا.

 والأمر الثاني: أنّه كان يقوم بتطبيق ذلك عمليًّا  وتعليمهم المؤمنين العمل به ويقوم أمامهم بفعل ذلك،  فحين ينزل قول الله جل شأنه: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ…﴾ (البقرة:43) فإنّه يعلمهم كيفية إقامة الصلاة والفروق بين الصلاة المستقيمة المقبولة والصلاة المرفوضة فيجمع -عليه الصلاة والسلام- جميع الآيات التي وردت في القرآن في نحو قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ …(الحج:77)، ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (البقرة:238)،  ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (هود:114)، ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (الإسراء:78)، وآيات صلاة الخوف وغيرها. وكذلك آيات الوضوء والاغتسال وما إلى ذلك، فيصلي -عليه الصلاة والسلام الصلاة- كاملة، وبين لهم الكيفية الكاملة للصلاة، وصفة الصلاة التامة ثم يأمرهم قائلًا: »صلوا كما رأيتموني أصلي«، رواه البخاري[4]. وهكذا في الحج حين أدى فريضة الحج كان الآلآف يشاهدونه ويتأسّون به وهو يطوف ويسعى ويقف بعرفة ويلبي ويكبر ثم يقول لهم: «خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا.»[5]، وقد قال ذلك في حجة الوداع. وبذلك تصبح جميع الآيات المتعلقة بالحج  كأنها مفسرة بذلك الفعل النبوي الذي جمعها كلها. وأحيانًا يطرح المسلمون أسئلة على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ويأتي الجواب في القرآن فيدرك الناس أنَّ هذه الآية عالجت القضية التي عبر السؤال عنها مثل قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ…(البقرة:219)، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ…﴾ (البقرة:220)، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ…﴾ (البقرة:222)، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ…، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ…، ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ….﴾ (النساء:127) وذلك كله يجعل الحاجة إلى إعداد كتب ودراسات تفسيرية ليست مهمة في تلك الأجيال وما تحتاج إليه هو تدريب وبيان عمليًا أو تطبيقيًا فإن سنة النبي وهديه وسيرته كفيلة ببيان ذلك كله، وكذلك تفاعل ذلك الجيل مع القرآن المجيد لا يجعلهم في حاجة إلى إعداد وقراءة كتب تفسيرية.

[1]  هو مصدر (فسّر) بمعنى أبان وكشف. وهو اسم العلم الباحث عن معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع.

راجع تفسير التنوير (1/11) ط. الدار التونسيّة 1984

1حديث صحيح وأخرجه البخاري في غير موضع من الصحيح، ومسلم رقم (1090) فى الصيام والترمذي رقم (2970) و(2971) وقال حسن صحيح وأبو داود فى الصوم رقم (2332).

[3]  الراوي:عبد الله بن عباس،  المحدث: القضاء والقدر للبيهقي أفق: 237  العزو1: 231  المصنف: البيهقي

3 الراوي:مالك بن الحويرث المحدث:الذهبي – المصدر: تنقيح التحقيق – الصفحة أو الرقم: 1/164خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[5]  الراوي: جابر بن عبدالله المحدث:ابن الملقن – المصدر: البدر المنير – الصفحة أو الرقم: 6/183

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *