Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أنا والطائفيَّة

أ.د/ طه جابر العلواني

منذ نعومة أظفاري اخترت من أصناف الرجال الذين أود أن أكون واحدًا منهم “رجل الأمَّة”، لا رجل الطائفة ولا رجل الحزب ولا الفئة ولا القطر ولا القوميَّة، وقد عملت على نفسي، وراقبت مشاعري، حتى إنَّني أصبحت من المقربين لدى الكثيرين من علماء الأمَّة الشيعة والسنَّة، أمثال: الخالصي والحكيم والزهاوي وابن باز، وكنت أتبادل الزيارات مع أئمة آخرين، وقد حظيت بصداقة الكثيرين منهم، وكنت أعمل على التقريب بين وجهات النظر بين علماء الشيعة في العراق وعلماء السنَّة؛ ولذلك فقد كانت لي علاقات وثيقة وما تزال وصداقات مع كل أولئك الذين يقدمون الانتماء إلى الأمَّة على أي انتماء آخر، وحمل هُويَّة الأمَّة المسلمة دون أي نزعات أخرى، وقد يشهد لي أصدقاء من الشيعة ما يزال الكثيرون منهم أحياء؛ ولذلك تم اختياري عضوًا للجنة التنفيذيَّة لهيئة التقريب، ومنعتني أشغالي من أن أكون عضوًا فعَّالًا، لكنَّني كنت على صلة وثيقة بكل المؤمنين بضرورة التقاء أبناء الأمَّة الواحدة على القيم والأهداف والغايات المشتركة التي توحد الأمَّة ولا تفرق كلمتها، فالأخ الدكتور عبد الجبار الرفاعي والسيد الدكتور عادل عبد المهدي والدكتور حسن الجلبي، وأساتذة آخرون كل هؤلاء موقنون بأنِّي قد تجاوزت الطائفَّية منذ زمن بعيد، ومقتها، وأبغضتها، ونفرت منها، ونفَّرت كل من أعرف من ذلك.

وحين زار الدكتور إبراهيم الجعفري الذي كان يرأس مجلس الحكم بعد دخول الأمريكان العراق السيد صفاء السعداوي اقترحت عليه أن يسارع بالمناداة بجبهة إسلاميَّة تجمع الإسلاميين في العراق كافَّة، وتحظى بمباركة علماء العراق من جميع الطوائف والمذاهب، وقلت له: إذا فعلتم ذلك اليوم فستنقذون العراق من الوقوع في دوامة الصراع الطائفي، كان ذلك في منزل السيد صفاء السعداوي، في واشنطن، الذي دعاني ودعى الدكتور الجعفري للقاء على إفطار في منزله، ولو أخذ الجعفري باقتراحي لربما تجنب حزب الدعوة على الأقل وكثير من الفئات الوقوع في شرك الصراع الطائفي، لكن الرجل لم يرد على الاقتراح بعد أن غادرنا ولم يتابع، وبلغني أنَّه بدأ يدعو إلى تفاهم سني شيعي في الآونة الأخيرة ولكن كما يقولون: “بعد خراب البصرة”.

إنَّني حين أرى أنَّ كِفة العدل قد طاشت، وأصبح الظلم والتهجير والتدمير على الهُويَّة وعلى الموقع الجغرافي وعلى الأسماء، وصار التمييز هو دستور التعامل بين الطوائف؛ فإنَّني أنحاز إلى العدل، وإنصاف المظلوم، والوقوف في وجه الظالم، ولا اعتبر ذلك طائفيَّة، لأنَّني وقفت هذا الموقف انتصارًا للطائفة التي تظلم أختها الآن وتشرد بها، وتقلب حياتها إلى جحيم لا يطاق.

إنَّني أتمنى أن يعود أبناء العراق شيعتهم وسنتهم إلى وحدة الأمَّة، ونبذ الطائفيَّة والخروج من حالات الانقسام، وأتمنى أن تعود الحمة بين أبناء البلاد كافَّة، وإن كنت أرى للأسف الشديد أنَّ تيارات التطرف لم تعد تسمح لتيارات الاعتدال بالظهور عند جميع الطوائف، وأنَّ تصريحات بعض المسؤولين في إيران مثل لاريجاني الذي يهدد بضم دول الخليج وفي مقدمتها الكويت والبحرين إلى الأحواز الإيرانيَّة، وإعادة العرب جميعًا إلى شبه الجزيرة العربيَّة، وحصرهم هناك، وإقامة الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، وأسمع تصريح لروحاني لم يكذبه ولم ينفه، جاء فيه: بأنَّه ينظر إلى بغداد على أنَّها العاصمة الصيفيَّة لإمبراطوريَّة فارس. آنذاك لا يملك الإنسان المنصف حتى لو لم يكن سنيًا أو عربيًّا إلا أن يستهجن مثل هذه النوايا، ويعتبرها خروجًا على وحدة الأمَّة وجمع كلمتها لحساب الانقسامات الطائفيَّة.

إنَّ نظام الأسد الأب والابن لم يكن أي منهما إسلاميًّا شيعيًّا، بحيث يحاول لاريجاني وغيره أن يضحوا بعلاقاتهم بسائر فصائل الأمَّة للإبقاء على نظام الأسد الذي لم يبق في سوريا ولم يذر. إنَّ الوقوف مع العدل هو المطلوب منَّا في هذه المراحل، وهي انتصار للأمَّة لا للطائفة، انصر أخاك ظالمـًا أو مظلومًا، قالوا: قد عرفنا نصرة المظلوم فما بال الظالم، وكيف ننصره؟ قال: أن تمنعه من الظلم، فإنَّك إن منعته من الظلم فقد نصرته.

إنَّ صوتي وأصوات القلة التي تدعو إلى وحدة الأمَّة، وإعادة الألفة إلى قلوب أبنائها، والوحدة إلى نظم حياتها ليس موقفًا طائفيًّا، بل هو موقف إلى جانب العدل، والعدل قيمة عليا من قيم القرآن: ﴿.. وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(المائدة:8).

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *