Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

غزة

أ.د/ طه جابر العلواني

تمثِّل غزة الهم الأكبر لإسرائيل منذ أن كانت تحت الإدارة المصريَّة، بعد اغتصاب الأرض الفلسطينيَّة وتشريد شعب فلسطين، وتفكيك الدولة الفلسطينيَّة بأيدي مشتركة بريطانيَّة وصهيونيَّة، فغزة عمق استراتيجي في غاية الأهميَّة لمصر متصل بسيناء منذ عهود الفراعنة الأول، ينظر إليها على أنَّها المجال الحيوي الذي لا ينبغي تجاهله أو تناسيه، فمصر والشام دائمًا تتعرضان لمخاطر باعتبارهما هدفًا لكثير من الأعداء والخصوم، وغزة تعد الجدار الحاجز، والساتر البشري والعمراني للحدود المصريَّة.

واشتغلت إسرائيل بمكر الليل والنهار لخداع العرب، ودفعهم إلى اتخاذ مواقف من غزة تخرجها من دوائر استراتيجيَّة العرب، بل تجعل منها في بعض الأحيان عبئًا عليهم، وواتت إسرائيل الفرصة، فالجهل بالاستراتيجيَّات والمواقع الاستراتيجيَّة وما يفكر به العدو ويخطط له جعل بعض العرب يتقبلون الأفكار التي تعزل غزة عن البلدان التي كانت وما تزال غزة عمقها الاستراتيجي، لا تستغني عنه بحال من الأحوال، ووجدت إسرائيل ومن معها في توثب الإسلاميين إلى السلطة ورغبتهم بها وصراعهم عليها فرصة مناسبة؛ فأوجدت على طريقتها في تمزيق الشعوب والتفريق بينها وتمزيق إرادتها صراعًا في داخل دولة فريدة في شكلها وموضوعها.

 فقد أوجدت سلطة تلبي احتياجات بعض الذين يتطلعون إلى السلطة، ويعتبرونها نهاية أهدافهم وغاية مقاصدهم، فكانت السلطة الفلسطينيَّة  للتمهيد في إقامة ما سمي بدولة فلسطينيَّة ولم يكن في ذهن أحد من هؤلاء المغتصبين للأرض العربيَّة أي نية أو عزيمة على الوقوف بوجه الصهيونيَّة، واقتطاع أي جزء مما اعتبرته أرض الميعاد، فكانت النتيجة أن ألقت إسرائيل بعبء حماية حدودها ومواطنيها ومقدراتها من الأجيال الفلسطينيَّة الطالعة والأجيال الجهاديَّة على هذه السلطة المجردة من كل شيء إلا من ذلك العنوان، الذي أثبت مع الأيام أنَّه مجرد عنوان لا قيمة له، ما طُرح إلا لإشغال المتطلعين إلى الألقاب، والذين نسوا سريعًا دروس الأندلس التي انتشرت فيها الألقاب.

 ألقاب مملكة في غير موضعها ***  كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد.

فتشبثوا فيها، فاختلف الفتحاويُّون مع الحمساويين، وتنازعوا أمرهم بينهم كل حزب بما لديهم فرحون، يحرض بعضهم على بعض، ويكشف بعضهم ثغور البعض الآخر، وكلما شعرت إسرائيل بأنَّ أهدافها الخاصَّة من إقامة السلطة ابنتها جرى تجاوزها عمدت إلى غزة، وصبت جام غضبها على سكانها العزل، الذين صاروا يمثلون ثقلًا سكانيًّا هائلًا، ومنعوا البنوك من تحويل مرتبات أصحاب الألقاب في رام الله، وقطعوا الوقود، وكل مقومات الحياة المعاصرة عن سكان غزة، فإذا بقي هناك شيء مما يسمى بإرادة المقاومة فالطائرات بدون طيار أو بطيار والدبابات الإسرائيليَّة كفيلة بتدمير ما بقي. وما يسمى بالشرعيَّة الدوليَّة التي اتخذها بعض العرب ضمن آلهتهم التي اتخذوها من دون الله مع إسرائيل على الدوام، فهي صاحبتها وهي صانعتها، وهي التي تقرر من يتصف بها، ومن لا يتصف.

إنَّ ظن العرب أنَّه يمكن لأي بلد من بلدانهم أن ينجو من شر إسرائيل ظن فاسد، وظن أثبتت الوقائع والأحداث أنَّه لا يستند إلى أيَّة حقيقة. إنَّ الوقوف إلى جانب الحق وإلى جانب العدل وحماية مستقبل الأبناء كلها أمور تشكِّل دوافع للوقوف بوجه ما يحدث وما حدث في غزة، وضمان أن لا يتكرر بأي حال من الأحوال، فهي العمق الاستراتيجي لمصر في سائر الظروف، وهي الحديقة الخلفيَّة للمملكة السعوديَّة والأردنيَّة الهاشميَّة ولسوريا، والتفريط بها وإسلامها للدمار والضياع تفريط بجزيرة العرب كلها، ومصادرة لمستقبلها، وعدوان على الأجيال الطالعة من أبناء الأمَّة صارخ لا يقبل تأويل.

فنسأل الله (جل شأنه) في هذا الشهر الكريم أن يوقظ أمَّتنا من رقدة الغافلين، وأن يَمُنَّ عليها بوعي بمصالحها، ومعرفة بأعدائها وأصدقائها، وحب وتقدير لأهلها، ودفاع عن أعراضها ومقدراتها، لعل من بقي من العرب والمسلمين يستطيع أن يوقف هذا النزيف المستمر في العراق والشام ولبنان وفلسطين وغيرها. وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

رأي واحد على “غزة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *