Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الفلوجة

أ.د/ طه جابر العلواني

الفلوجة مدينة صغيرة من مدن محافظة الأنبار، تقع على الفرات، وكان منظر الفرات حين ولدت قبل ما يقرب من ثمانين عامًا من أروع المناظر، فالنهر عريض عميق، تنتشر عليه بعض البساتين، وتقع المدينة على منعطف من منعطفاته رائع، خاصَّة إذا حانت ساعة الأصيل، ووقف الإنسان على شاطئ النهر يرقب الضفة الأخرى- التي لم تكن قد ازدحمت بعد بالسكان، بل فيها منزل واحد قريب من جسرها القديم، تقطنه أسرة نصرانيَّة- في تلك الساعة وكأنَّ النخيل ينتصب ليودع شمس الأصيل، يرسم النهر في نفوس وأذهان أبناء الفلوجة أروع الصور، وأجملها.

كانت في الفلوجة –آنذاك- جامع واحد، يقع على النهر بناه أحد الولاة العثمانيين، وكنا نصلي فيه بعد أن جاوزنا سن الطفولة إلى المراهقة المغرب والعشاء، وفي جانبنا نهر الفرات، فيجمع الإنسان بين متعة النفس والوجدان والنظر، فكأنَّه يجلو عقله وقلبه ونفسه في تلك البيئة الرائعة، كان سكان المدينة –آنذاك- يعرف كل منهم الآخر، فبيوتها قليلة، وسكانها عدد محدود، متحابين فيما بينهم، ينصف كل منهم الآخر، معروفين لبعضهم صغارًا وكبارًا، يشتركون في أفراحهم وأتراحهم، يعرف كلهم أنَّ الفلوجة كانت هدف المحتلين دائمًا من الفرس إلى الإنجليز، ثم من جاء بعدهم؛ ولذلك فإنَّ ذكريات أهلها لا تخلوا من ذكريات حرب وسلام، وقد أخذت الفلوجة النصيب الأكبر من عداوة الإنجليز في الاحتلال الأول للعراق ثم في الاحتلال الثاني الذي جرى عام 1941م.

 حينها كنت طفلًا، فخرجت الأسرة كلها إلى منطقة الـﮕرمة، ودخل الإنجليز بأجنادهم الذين جاؤوا بهم من الخارج والداخل ليحتلوا الفلوجة؛ لقربها من قاعدة الحبانيَّة التي كانت تعتبر أهم قاعدتين بريطانيتين في العراق، وقد تحمل أبناء الفلوجة من المحتلين وجنودهم ما تحملوا، وكنا نظن أنَّ تلك الفتنة والمحنة التي تعرضنا لها ستكون آخر محن الفلوجة، لكن سرعان ما تطوع بوش وأتباعه وجنده من شياطين الإنس والجن بمهاجمة الفلوجة وأهلها، ولما استعصت أحدثوا فيها من الخراب والدمار ما شاءوا، ثم فشلوا في معركتهم ضد الفلوجة التي اتسعت وصارت تسمى مدينة المساجد، حيث صار فيها وقد كانت بلد الجامع الوحيد على نهر الفرات ما يزيد عن ثلاث وثمانين جامعًا ومسجدًا، وفشل قوات الاحتلال البوشية كان ذريعًا، وبطولة الفلوجة كانت مسار إعجاب الكثيرين، بمن في ذلك بعض القادة العسكريين المنصفين من الأمريكان.

 واضطر الأمريكان ومن معهم لمغادرة الفلوجة، وجند الشيطان يجرون أذيال الخيبة، ويستغربون كيف صمدت هذه المدينة الصغيرة العجيبة أمام تلك الهجمات الشرسة بأفتك الأسلحة وأحدثها، يحملها أرقى الجند تدريبًا، وأجرؤهم على القتل والتخريب، وانتصرت الفلوجة، وإن خسرت من أبنائها الكثير، وتهدمت دور كثيرة ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا، ومع ذلك كانت هي المنتصرة، وحقد الكثيرون من أعداء العروبة والإسلام عليها، وساءهم انتصارها، وصاروا يتحينون الفرص لهزيمتها وتدميرها، وجاء الفرس واقتحم الصفيون الديار، وقرروا الانتقام لكسرى، من الذين صدَّعوا إيوانه، وأسهموا في هزيمة جنده في نهاوند وغيرها، وقرروا الثأر من الفلوجة وأهلها والـﮕرمة وسكانها، والأنبار وقاطنيها، لكل ما تقدم ولكل ما مر وكأنَّهم يريدون لها أن تكون قربان شكر بشري للشيطان وأعوانه.

 واليوم يهدد أذناب الصفويين من الذين أطلقوا على أنفسهم زورًا حزب الدعوة، اللهم إلا إذا أرادو حزب دعوة الشيطان، والدعوة الصفويَّة، ومن حالفهم وحالفوه، ليعلن رئيس الوزراء وقائد الحشد الشعبي عن حكم بالإعدام على مدينة الفلوجة، واتهامها بأنَّها قد تحولت إلى مأوى لداعش والداعشيين، وما كان للفلوجة أن تكون كذلك، لولا أنَّها تعرضت إلى ضغوط لا قبل لأحد بها، ومؤامرات لا يتقن حبكها إلا الشيطان وأعوان الشيطان، فقرروا الإعلان على أنَّها مدينة محكوم عليها بالإعدام، وأنَّ على الفقراء والضعفاء والعجزة غير القادرين على أن يذهبوا إلى أي مكان والذين حيل بينهم وبين عاصمة بلادهم وسائر مدنها الأخرى بحجج مختلفة ليقال لهم: عجلوا بالخروج لئلا تتعرضوا إلى الإبادة الجماعيَّة.

فأي إنسان يبيح لنفسه قتل الضعفاء، واستباحة دماء الأبرياء، والقضاء على الأطفال والنساء في شهر الخير وشهر القرآن؟ وأي علماء أو مراجع أولئك الذين يرون ذلك ويسكتون عليه؟ إنَّ من أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة؛ كتب بين عينيه آيس من رحمة الله. فما لهؤلاء القوم يبيدون ضعفاءهم، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يجدون لأنفسهم سبيلًا لمغادرة ديارهم، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

إنَّني أناشد من موقعي هذا السيد الصدر، والسيد محمد سعيد الحكيم، والسيد المدرسي، والسيد الشيرازي، أن يفعلوا شيئًا لحماية هؤلاء المستضعفين، وأن يقوموا بواجبهم نحوهم ويحموهم من تلك الأخطار التي تتهددهم، ويتقوا الله فيهم، ويوقفوا هذه المآسي، لعل الله سبحانه أن يأذن بجمع شمل العراقيين، ورفع البلاء عنهم، وكشف الكرب، ربنا اكشف عنا العذاب إنَّا مؤمنون.

 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد، اللهم ليس للمستضعفين إلا أنت فاحمهم، وليس للمتجبرين من قادر عليهم إلا أنت فخذهم يارب أخذ عزيز مقتدر، لا تغادر منهم أحدًا، ولا تذر منهم جبارًا عنيدًا ولا ظالمـًا غرته قدرته وأطمعته نفسه وأغوته شياطينه. إنَّك سميع مجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *