أ.د/ طه جابر العلواني
تركز داعش على المدن السنيَّة في العراق: الرمادي والموصل وصلاح الدين والفلوجة والگرمة وسائر المحافظات والمدن السنيَّة، فمنذ أن تأسست داعش لا تستهدف إلا هذه المدن، قتلت من علمائها المئات، وشردت من أبنائها ملايين، ودمرت بناها التحتية. وداعش تزعم في بياناتها القليلة أنَّها سنيَّة الهوى والانتماء، يقول الشاعر الجاهلي:
وأحيانًا على بكرٍ أخينا ** إذا ما لم نجد إلا أخانا.
فكأنَّ داعشًا جعلت من السنَّة في العراق في المحافظات ومدنهم وقراهم أهدافًا خاصَّة تستهدفها، وكذلك الحال بالنسبة للأجزاء التي احتلتها من سوريا، صحيح أنَّ داعش في شمال العراق قد أضرت ببعض القرى المسيحيَّة واليزيديَّة، لكن يبقى الإجرام الشديد والنصيب الأوفى منه يسقط من داعش على محافظات ومدن وقرى المسلمين العرب السنَّة، فمن الذي سلَّط داعشًا على هؤلاء؟ ومن الذي ملأ صدور الداعشيين حقدًا وحنقًا على هؤلاء؟ ولم نرها لحد اليوم استهدفت أو تستهدف مدنًا شيعيَّة كبرى مثل: كربلاء والنجف والكاظميَّة وما إليها. فهل يا ترى كان ذلك كله من قبيل المصادفة أو أنَّ داعشًا قد وجهت لتدمير الوجود السني في العراق من جهات مستفيدة من ذلك؟ أو لأنَّ السنَّة يمثِّلون الجانب الأضعف في العراق في الوقت الحاضر، فكما قال المعري للديك الذي وصفوه له ليأكله:
“استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد!؟”
فالسنَّة أضعف المكونات في الوقت الحاضر، لا عن قلة، بل لأنَّ استراتيجيَّة الغرب التي اعتمدت على السنَّة في ثورة العشرين فكان الحكم في غالبيته من رجالات السنَّة لأنَّ بريطانيا اتهمت الشيعة بمعاداتها وتفجير ثورة العشرين، وإن كان التاريخ يقول: بأنَّ ثورة العشرين قد انفجرت بعد مقتل الكولونيل لجمن من قبل الشيخ ضاري -شيخ مشايخ زوبع وولديه سليمان وخميس-وأنَّها انطلقت في المناطق السنَّية ثم قام الشيعة بتأييدها ومحاربة الإنجليز، وتلاحم العرب والأكراد والتركمان والشيعة والسنَّة وغيرهم في تلك الثورة العارمة. لكن بريطانيا فضَّلت أن تأتي بالملك فيصل الأول ابن الشريف حسين لحكم العراق، وعين أول رئيس للوزراء عبد الرحمن الكيلاني نقيب الأشراف آنذاك، وحينما تحول الاحتلال إلى انتداب أفتى كثير من علماء الشيعة بوجوب مقاطعة الحكومة لعمالتها للإنجليز وخضوعها إليهم، وبقي الحال كذلك حتى 1928 ثم غيَّر المراجع فتاواهم وأذنوا للشيعة بالتوظف لدى الحكومة، ويبدو أن أمريكا قلدت بريطانيا في كل شيء غير أنَّها استبدلت السنَّة بالشيعة لأسباب كثيرة لا مجال لسردها الآن.
عودة إلى داعش: ونحن لا نقصد التحريض على إخواننا وأبنائنا من الشيعة، فكل عراقي يقتل أو يجرح، وكل حرة تشرد، وعائلة تضطهد، هي من أهلنا وعشائرنا، ولكن السؤال يبقى قائمًا يبحث عن جواب لمعرفة من المستفيد من تدمير المكون السني في العراق على أيدي الداعشيين ثم جيش الحشد الشعبي؟ وكيف التقى الاثنان على تدمير أهل السنَّة وإنهاء وجودهم، وتدمير دياره ومدنه وقراه وأريافه بهذه الطريقة الوحشية؟ لأنَّ ذلك من المحتمل أن يفتح أمام الباحثين الطريق لمعرفة المستفيد من تأسيس داعش وتكوينها، وإطلاق يدها في كل من العراق وسوريا. فهل من مجيب؟.
قد يقول البعض: إنَّ داعشًا وجدت في بعض المناطق السنيَّة محاضن جاهزة استفادت منها لاقتحام تلك المناطق والفتك بها، وهي لا تجد محاضن مماثلة في مناطق العراق الأخرى. وهذا كلام لا يسلّم، فالداعشيُّون قد ثبت أنَّ غالبيتهم جاؤوا من دول خارجيَّة، محضنهم الأساس هو التنظيم ومعسكراتهم وقواعدهم التي أسَّسوها والمدن، والمواقع السنيَّة مثلها مثل غيرها من المواقع العراقيَّة لم يكن لداعش فيها محاضن وأعوان، اللهم إلا على سبيل اتهامات وشائعات كان بعض رجال النظام في عهد المالكي وما يزالون حتى اليوم يشيرون إليها، ولا يقال: إنَّ داعشًا تريد اتصالًا وخطوط مواصلات وطرقًا بين المناطق التي احتلتها في سوريا وما احتلته في العراق، بل ربما تكون بعض المناطق الجنوبيَّة والشماليَّة أقرب إلى تحقيق ذلك إذا كان ذلك يمثل هدفًا من أهداف داعش، ويمكن أن يقال: بأنَّ من المحتمل أنَّ داعشًا تحظى بمباركة من صفويَّة إيران؛ لأنَّها تعطي فرصة لجعل الشيعة العراق يشعرون بالخطر وبالحاجة إلى حماية دائمة من إيران، كما أنَّ شعورهم بالخطر يمكن أن يوحِّد صفوفهم، ويجعلهم أقدر وأسرع إلى قبول المخططات التي تُعدّ أو فُرغ من إعدادها لتفتيت العراق وتوزيع ترابه بين القبائل.
سؤال نطرحه على الساسة العراقيين وعلى المشاركين في العمليَّة السياسيَّة والمتابعين للشأن الداعشي.