Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

شبهات وردود .. إثبات عدم صحة حد الردة في الإسلام

إثبات عدم صحة حد الردة في الإسلام

أ.د/ طه جابر العلواني

 يقولون: إن عدم ذكر العقوبة الدنيوية للمرتد في القرآن لا يسقط العمل به، ما دامت السنة النبوية الصحيحة قد ذكرت الحد، فمن المعروف أن السّنة النبوية قد تأتي موافقة لما جاء في القرآن، أو شارحة ومفصلة لمجمل القرآن، أو توضيح ما أشكل على المسلمين فهمه، وقد تأتي لتقييد مطلق القرآن أو تخصيص عام القرآن، كما تأتي السُنة منشأة ومؤصلة لحكم غير موجود في القرآن، ومن المعروف أن كثيرا من أحكام الشريعة قامت على السُنة ابتداء، وقد أوضح علماء الأصول مكانة السُنة النبوية في الشريعة الإسلامية بما لا زيادة عليه.

وقد جاء في الحديث الصحيح: (عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌ ّرضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْكُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّه ِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُعَذِّبُوا ِبعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) صحيح البخاري / 9/15 برقم 6922

وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة) صحيح البخاري 6/2521 ب رقم6484.

وفي نص هذين الحديثين الصحيحين الواضحين دلالة كافية على إقامة حد الردة على المرتد عن الإسلام.

ثانيا: يستدلون بحرية الاعتقاد المقرر بقوله تعالى﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة:256)، ويبالغون في تقرير هذه الحرية حتى تخرج عن سياقها القرآني المقرر لها.

والرد على ذلك:

أولا: إن احترام النفس الإنسانيّة وحرمة سفك دم الإنسان ثابتة بأدلة قطعيّة، واستباحة إراقة الدم الانسانيّ لابد أنّ تأتي بأدلة قطعيّة مساويّة في قطعيتها وثبوتها ودلالاتها للأدلة التي أثبتت فيها حُرمة دم الإنسان.

ثانيًا: الحدود الشرعيّة إنما تقام على مسلمين فتكون طُهرة لهم وكفارة لذنوبهم ولذلك فإن السلف كانوا يقولون:” فضوح الدنيا ولا فضوح الآخرة”؛ لأن الجرائم التي جعل الله (جلّ شأنه) جزاءها حدودًا مكفرات ومطهرات لمن يرتكبها ولن يحاسب الله عليها في الدار الآخرة؛ لأن الله (تبارك وتعالى) لا يجمع بين عقوبتين: عقوبة في الدنيا وفي الآخرة ولا بين مخافتين فمن أقيم عليه حد لله (جلّ شأنه) فإنه يطهر بمقتضى ذلك، فهل المرتد إذا أقيم عليه حد الردة – كما يسمونه – تكون تلك العقوبة مطهرة له فيدخل الجنة في الدار الآخرة بناء على أنه ارتكب ذنبًا عُوقب به في الدنيا وانتهى الأمر فإن قلتم إنه مات على الإيمان والإسلام بإقامة الحد عليه ناقضتم أنفسكم وإنّ قلتم إنه قتل كافرًا في ذلك الحد فالكفار لا تقام عليهم الحدود وللأصوليين موقف معروف متنازع فيه من تكليف الكفار بفروع الشرائع. كما أن استقلال السنة بالتشريع أمر خلافي لم تتفق عليه كلمة الأمة لا في القديم ولا في الحديث وكل ما استدلوا به يتعارض مع قول الله (جل شأنه)﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾(الأنعام:57).

فاتقوا الله وتجنبوا الشرك ولا تجعلوا من سيدنا رسول الله شريكًا لله في حاكميته وتشريعه يا من تدعون أنكم تقولون إنكم تؤمنون بتوحيد الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.

وإليكم فتوى الأزهر في ذلك:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الأستاذ رئيس لجنة الفتوى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فهل من أنكر استقلال السنة بإثبات الايجاب والتحريم يعد كافرًا أم لا؟

نرجو الإفادة بالرأي مع الاستدلال.

وشكرًا

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

تنقسم الأحكام عند الجمهور إلى خمسة أقسام: –

1-الواجب: -وهو ما يثبت طلبه من المكلف بنص صريح قطعي الثبوت وقطعي الدلالة (بمعنى أن له معنى واحدًا فلا يختلف في معناه المجتهدون) من كتاب الله أو سنة رسوله المتواترة.

2-المحرم: -هو ما طلب الشارع من المكلف تركه بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة من كتاب الله أو سنة رسوله المتواترة.

3-المندوب: -ما طلب الشارع فعله طلبا غير حتم ولا جازم ويشاب على فعله ولا يعاقب على تركه.

4-المكروه: -ما طلب الشارع تركه طلبًا غير حتم ويثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.

5-المباح: -ما خير المكلف بين فعله وتركه وما لم يرد دليل بالتحريم.

وتنقسم السنة إلى: -متواترة واحادية

 فالمتواترة هي ما رواها جمع عن جمع يستحيل أو يبعد أن يتفقوا على الكذب.

قال الحازمي في شروط الأئمة الخمسة صــــــ 37: -“وإثبات التواتر في الحديث عسر جدًا”.

وقال الشاطبي في الجزء الأول من الاعتصام صـــ 135: “أعوز أن يوجد حديث عن رسول الله متواتر”

وعلى الرغم من ندرة الحديث المتواترة واختلاف علماء السُنة على ثبوته وعدده، يرى الجمهور أن من أنكر استقلال السُنة المتواترة بإثبات واجب أو محرم فقد كفر.

والسنة الأحادية: هي ما رواه عدد دون المتواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد اختلف العلماء في استقلال السُنة الأحادية بإثبات واجب أو محرم.

فذهب الشافعية ومن تبعهم إلى أن من أنكر ذلك في الأحكام العملية كالصلاة والصوم والحج والزكاة فهو كافر. ومن أنكر ذلك في الأحكام العلميّة كالإلهيات والرسالات وأخبار الآخرة والغيبيات فهو غير كافر لأن الأحكام العلميّة لا تثبت إلا بقطعي من كتاب الله أو سنة رسوله المتواترة.

وذهب الحنفية ومن تبعهم إلى أن السنة الأحادية لا تستقل بإثبات واجب أو محرم سواء كان الواجب علميًا أو عمليًا وعليه فلا يكفر منكرها. وإلى هذا ذهب علماء أصول الفقه الحنفية فقال البزدوي:

“دعوى علم اليقين بحديث الآحاد باطلة لأن خبر الآحاد محتمل لا محالة ولا يقين مع الاحتمال ومن أنكر ذلك فقد سفه نفسه وأضل عقله”

وبهذا أخذ الإمام محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمود أبو دقيقة وغيرهم.

يقول المرحوم الإمام محمد عبده:

“القرآن الكريم هو الدليل الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام في دعوته أما ما عداه مما ورد في الأحاديث سواء أصح سندها أو اشتهر أم ضعف فليس مما يوجب القطع”.

كما ذكر الشيخ شلتوت في كتابه “الإسلام شريعة وعقيدة” قوله:

“إن الظن يلحق السُنة من جهة الورود (السند) ومن جهة الدلالة (المعنى) كالشبهة في اتصاله والاحتمال في دلالته.

ويرى الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات أن السنة لا تستقل بإثبات الواجب والمحرم لأن وظيفتها فقط تخصيص عام القرآن وتقييد مطلقه وتفسير مجمله ويجب أن يكون ذلك بالأحاديث المتواترة لا الأحادية.

ويؤيد آراء من سبق ذكرهم ما جاء في صحيح البخاري باب الوصية (وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته:

عن طلحة بن مصرف قال: سألت ابن أبي أوفي: هل أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا.

قلت: كَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يُوصِ؟

قال: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّه.

قال ابن حجر في شرح الحديث:

” أي التمسك به والعمل بمقتضاه” ولعله أشار إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

(تركتم فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله).

واقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه فيه تبيان لكل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا أتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به”

وحديث سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

(الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه وما سكت عنه فهو عفو لكم)

وأجاب الشاطبي عما أورده الجمهور عليه من قوله تعالى:

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾(النساء:59).

بأن المراد من وجوب طاعة الرسول إنما هو في تخصيصه للعام وتقييده للمطلق وتفسيره للمجمل وذلك بالحديث المتواتر.

وأن كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب أن يكون من القرآن لقول عائشة (رضي الله عنها) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): -“كان خلقه القرآن”.

وأن معنى قوله تعالى:” (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل:89).

ان السُنة داخلة فيه في الجملة وأكد الشاطبي ذلك بقوله تعالى: -﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾(الأنعام: 38).

وقد رد على ما استدل به الجمهور مما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله:

“يوشك أحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان من حلال فيه أحللناه وما كان من حرام حرمناه ألا من بلغه مني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله” بأن من بين رواة هذا الحديث “زبد بن الحباب” وهو كثير الخطأ ولذلك لم يرو عنه الشيخان حديثًا واحدًا.

وجاء الثبوت والتحرير:

“خبر الواحد لا يفيد اليقين ولا فرق في ذلك بين أحاديث الصحيحين أو غيرهما.

وما سبق يتضح أن الايجاب والتحرير لا يثبتان إلا بالدليل اليقيني قطعي الثبوت والدلالة وهذا بالنسبة للسُنة لا يتحقق إلا بالأحاديث المتواترة وحيث أنها تكاد تكون غير معلومة لعدم اتفاق العلماء عليها فالسُنة لا تستقل بإثبات الايجاب والتحريم.

وعلى هذا فمن أنكر استقلال السُنة بإثبات الايجاب والتحريم فهو منكر لشيء اختلف فيه الأئمة ولا يعد مما علم بالضرورة وعلى هذا فلا يعد كافرًا.

رئيس لجنة الأزهر

1/2/1990.

هذا ما صدر عن لجنة الفتوى بالأزهر وتبناه كثير من الأئمة المعاصرين وسنأتي بالحلقة الثالثة أن النماذج الثلاثة التي استدل بها القائلون باستقلالية السنة بالتشريع على غير موافقة القرآن المجيد ليتبين أن لكل نموذج من النماذج التي ذكرت أصلا قرآنيا يستطيع ادراكه المتدبر المتأمل بشيء من التفكير مع التوفيق الإلهي نسال الله جل شأنه أن يشسرح الصدور لذلك ولعل الجدل والتبديع والتكفير والتفسيق في مثل هذه الأمور يختفي من ساحاتنا العلمية والمعرفية

وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *