أ.د/ طه جابر العلواني
قبل الحادي عشر من سبتمبر، وقبل إعلان وفاة الاتحاد السوفيتي، وبروز أمريكا قوةً دوليَّةً منفردةً كبرى، كانت هناك إرهاصات تُشير إلى أنَّ العلاقات بين الإسلام والمسلمين والغرب لا بد أن تشهد تغيُّرات كثيرة، كان هناك متفائلون يتمنَّون أن تكون التغيُّرات إيجابيَّة، فالمسلمون انفتحوا على الغرب، وتجاهلوا دروس وقائع التاريخ، وتجاهلوا أو تناسوا «حروب الفرنجة» التي سمَّاها الغربيُّون «بالحروب الصليبيَّة» زيادة في تحريض المتديِّنين الأوربيِّين على الانضمام إلى تلك الحملات، واستغلال حماستهم الدينيَّة لتوظيفها في الحروب. وانفتح المسلمون على «الحداثة والتحديث» وقدَّموا تضحيات هائلة أدت إلى عكس ما كانوا يرجونه من «الحداثة والتحديث»، ومع ذلك فإنَّهم لم يلوموا الغرب على ما عانوه نتيجة استجابتهم لضغوطه واستعداداتهم لقبول اللحاق بصفه.
بل نسوا وتناسوا عهود الاستعمار، وما كبَّدهم من خسائر وتضحيات، ومدُّوا يد الصداقة والمودَّة، ولم يطالبوا بتعويضات عن عشرات الوقائع التي عانوها في ظل الاستعمار البريطانيِّ والفرنسيِّ والبرتغاليِّ والهولنديِّ، وكل منها لم يكن يقل عن «الهولوكوست» ونحوها، ويكفي شاهدًا على ذلك فلسطين والعراق وأفغانستان والجزائر وغيرها.
وما تزال «الإسلاموفوبيا» مسيطرة على العقل الأوروبيِّ والغربيِّ بعامَّة، مع أنَّ المسلمين كانوا الضحايا باستمرار.
إنَّ المسلمين مستهدفون -باستمرار-عقيدةً وعبادات ونظمَ حياة وتاريخًا وحضارة وثقافة ومقدَّسات، ولا يغني عنهم ولن يغني عنهم إنكار كثير من النخوبيِّين لذلك الاستهداف، ورفع عقائدهم بين الحين والآخر، بالتنديد بما يسمونه بـ«عقليَّة المؤامرة»! وكيف ينفي المؤامرة من يعيش في عقابيلها ويتمرغ في آثارها في كل حين؟! وإنَّ هذا الاستهداف والإساءات والاعتداءات المتكررة لم تثنِ المسلمين عن قبول الآخر والانفتاح عليه، وعدم مقابلته بالمثل، ومع ذلك فالمسلمون هم الذين يرمون بالإرهاب والتعصب ورفض الآخر وعدم قبوله. إنَّها إعادة للسيناريو المتكرر بين الذئب والحمل، فالذئب يأكل الحمل؛ لأنَّه حمل، ومهما مأمأ الحمل مدافعًا عن نفسه فيكفي أنَّه حمل ليؤكل، وما قصة أبي العلاء المعري والديك عنَّا ببعيد، حين قُدِّم الديك المطبوخ له أمسك به، وقال قوله المشهور: “استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد؟!”.
إنَّ المسلمين إذا لم ينتفعوا بدروس الكتاب الكريم والسنَّة النبويَّة المطهَّرة، وتواريخ الأمم، فليتأمَّلوا ما هو مطروح من أطروحات اليوم، مثل «أطروحة توازن الرعب»، فالتوازن لا يتحقق بطلب يقدمه الضعفاء للأقوياء، بل بإقناع الأقوياء بأنَّهم لن ينالوا منك نيلاً إلا وتنال منهم مثله وأكثر منه، إنَّه «توازن الأقوياء»، كالنمور والأسود؛ فإنَّ الأسود والنمور لا تتقاتل إذا التقت في الغاب، بل يزمجر بعضها لبعض ثم ينصرف كل منها في سبيله؛ لإدراكها أنَّه لا بد للغلبة من ثمن باهظ يجعل المتقاتلين متكافئين في الخسارة!
فمالم تجتمع كلمة المسلمين من جديد، ويعيدوا بناء وحدتهم، وتجديد كيان الأمَّة، وتجاوز حالة الفرقة والتشرذم، والنـزعات القطريَّة والإقليميَّة والطائفيَّة، وسائر النـزعات المفرِّقة، فلن يستطيع أيُّ إقليم أو شعب أن ينجو من براثن المفترسين. والله أعلم.