أ.د/ طه جابر العلواني
من المؤسف أنَّ التصعيد الطائفي الذي كنا نخشاه ونحذِّر منه قد سقطت الأمَّة فيه، ففي باكستان لا يخل شهرًا من وقوع حادثة عنف، أو أكثر بين السنَّة والشيعة، وامتد الأمر إلى العراق حيث تقوم حرب غير معلنة أو معلنة في بعض المناطق بين السنَّة والشيعة، وهذه سوريا منذ ما يزيد عن سنتين وحمامات الدم تنتشر وتأكل بأرواح وأنفس أبناء الشام سنَّة وعلويون، ولم تخل تركيا من بعض الحوادث ولا غيرها.
ونعود بالذاكرة إلى الخطة التي وضعت في عهد الرئيس كارتر بعد فشل محاولة إدارته تحرير رهائن السفارة الأمريكيَّة في طهران، فقد وضعت خطة شارك في وضعها الرئيس كارتر ومعاونوه وأجهزة إدارته، وهي أن يعمل الراغبون في تحقيق أمن إسرائيل والولايات المتحدة على درء الخطر الإسلامي بكل الوسائل الممكنة، ومن بين أهم الوسائل التي طرحت أن يدفع الشيعة إلى تأسيس خلايا شيعيَّة في كل بلد سني، بحيث لا تمض فترة طويلة إلا وتصنع أقليَّة شيعيَّة في تلك البلدان التي كانت سنيَّة خالصة، ولابد من فعل الشيء نفسه في البلدان الشيعيَّة وتصنيع وبناء خلايا سنيَّة فيها تمهيدًا لإثارة حروب أهليَّة تشغل المسلمين ببعضهم وتصرفهم عن النيل من أمن إسرائيل والولايات المتحدة، وتجعل بأسهم بينهم شديد.
واستُدرج الطرفان إلى ذلك، ونادت بعض القيادات الإيرانيَّة بالتخلُّص من بعض الشخصيَّات الدينيَّة في إيران المعارضة لولاية الفقيه بتأسيس حوزات لها في الخارج لتحقيق جملة من الأهداف الهامَّة ومنه: نشر التشيُّع في بلدان سنيَّة، أو في أقليَّات حديثة العهد بالإسلام، وقامت بعض الجهات والجمعيَّات والحركات السنيَّة بمقاومة تلك التوجهات بشكل لم ينجح في كثير من تلك البلدان لأسباب عديدة، لا مجال لبسطها؛ ولذلك وجدنا انتشار واسع لحوزات أوجدت بعد أن لم تكن في جنوب شرق أسيا وأمريكا واستراليا، كما دخل المذهب الشيعي ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وتايلند ومصر والسودان وبعض البلدان الأفريقيَّة الأخرى، وخطة كارتر كانت بمثابة عمليَّة زراعة ألغام مؤجلة الانفجار ليتم تفجيرها عن بعد عند الحاجة، ولم تمض عقود ثلاثة حتى وجدنا ولمسنا نتائج تلك الخطة الفعَّالة، فهناك صراع الآن بين أقليَّات شيعيَّة وسنيَّة في بلدان مختلفة، تغذي ذلك الصراع طائفة سياسيَّة مدمرة، تستغل كل شيء وأي شيء لتحقيق أهدافها الخبيثة المدمرة.
ولقد تابعت المشهد المفجع في هذا الصيف الملتهب في أرض الكنانة التي كانت رمز للتسامح والانفتاح والمرونة والصبر والأناة، فإذا بمجموعة من الناس تهاجم لقاء في منزل لمجموعة متشيعة حديثًا؛ فتكون حصيلة ذلك الهجوم قتل وسحل أربعة من الشيعة، في وقت يقتل فيه كل يوم عدد كبير من السنَّة ومن الشيعة في العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وغيرها من السنَّة والشيعة، وحين تسأل من المستفيد تكون الإجابة في خطة كارتر، وتقارير راند، وما يصدر في الغرب وغيره عن أمن إسرائيل، والمصالح الغربيَّة ففيها تجد الجواب الشافي، فهل من مدكر؟ وهل من متعظ؟ ومتى يفيق المسلمون؟ ومتى يدركون بأنَّ الأمر لا علاقة له بتشيع أو بتسنن، ولا تدين ولا تمذهب، بل إنَّه ينتمي إلى المؤامرات ودوائر التآمر رغم نفي الكثيرين وحملاتهم ضد ما يسمونه بعقليَّة المؤامرة؟.