Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

نداء إلى علماء العراق ومراجعه

أ.د/ طه جابر العلواني

نداء إلى السادة الأجلاء العلماء والمراجع وشيوخ العشائر وقادة الرأي ومثقفي العراق:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

لقد استهان الناس في عراقنا الحبيب بالدماء، حتى صارت أرخص من أي شيء يراق، أرخص من الماء بكل أنواعه، وأرخص من التراب، وصار القتل على الهُوِيَّة وعلى الاسم وعلى محل الولادة ومنطقة النشأة، وقد فرَّخ الشيطان وباض في عقول وقلوب الكثيرين، حتى صاروا يعتبرون أنَّ القتل وانتشاره بتلك الطريقة المدمرة فيه دفاع عن الهُوِيَّة الطائفيَّة أو المصالح الفئويَّة، وربما سوَّل الشيطان للبعض أنَّ في قتل إخوانهم وإبادة مواطنيهم انتصار للدين والمذهب والقبيلة وما إلى ذلك .

ولم تعرف البشريَّة منذ قابيل وهابيل وقتل أحدهم الآخر أنَّ القتل وإراقة الدماء وسفكها واستحلال الأعراض وتدمير البيوت وتخريب العامر وسيلة لخدمة دين أو إعلاء شأن مذهب أو تكريس مصالح طائفية، بل على العكس من ذلك، من قتل اليوم سيقتل غدًا أو بعد حين، ومن سفك دماء الآخرين فإنَّه يسفك دماء نفسه ولو بعد حين، ومن هدم البيوت على رؤوس ساكنيها سيهدم بيته على رأسه ولو بعد حين، ومن استهان بأعراض الناس أهان الله عرضه:

إنَّ الزنا دين فإن أقرضتــه        ***   كان الوفا من أهل بيتك فاعلم[1].

إنَّ الناس قد شعروا بهوان العراقيين على أنفسهم، فصارت الأخبار التي تحمل قتل مائة فما دون أخبار ثانوية، لا تستطيع أن تنافس في وكالات الأنباء خبر زواج أو طلاق ممثلة أو ممثل، فيالاهوان الأنفس ويالاهوان الدماء، أما آن للعراقيين أن يدركوا أنَّ حمامات الدم لا يمكن أن تكون حلول لمشكلة سياسيَّة لا لأزمات عرقيَّة أو طائفيَّة، وأنَّ الإقبال على الدماء والاستهانة بها لا يليق بالإنسان المسلم، ويستهجنه الإنسان المتحضر إلى أي حضارة انتسب.

 وكنَّا نظن أنَّ الدروس التي استقاها العراقيُّون من المد الأحمر ثم المد البعثي كانت كافية لإعطائهم درسًا لا ينسى بأنَّ سفك الدم الحرام وقتل الأنفس لا يرأب صدعًا ولا يعالج مشكلةً ولا يحل خلافًا، وإذا كان البعض يرى أنَّ تفكك العراق وتقسيم أشلائه بين الساكنين فيه هدفًا  يحقق لهم مصالحهم فليسعون إليه بالوسائل السلميَّة؛ لأنَّ تفكيك البلاد لن يزيل جميع المشكلات، ولن يحل مختلف المشاكل، على العكس ستظهر مشاكل أخرى. وخذوا على ذلك مثلًا: ما جرى ويجري في جنوب السودان، فهل انتهت مشاكل الجنوب والشمال بالانفصال أم تغيَّر شكل المشاكل؛ لتصبح أقوى وأشد مما كانت عليه سابقًا، وما زالت الدماء تراق حتى اليوم رغم استقلال الجنوب عن الشمال! وما أكثرها لو أنَّ هذه الأمور لم تحل بالحوار والتفاهم والوسائل السلمية.

 فهل لهذا النداء من سامع أو مستجيب؟ كنت أتمنى أن أسمع من المراجع وأئمة الحوزات في النجف وكربلاء والكاظميَّة وسامراء والأنبار والفلوجة والرمادي والموصل وتكريت وكربلاء وميسان وغيرها، ومن العلماء الآخرين من مختلف المذاهب والفئآت كلمة رشد تدعو هؤلاء الناس إلى التوقف عن إراقة الدماء الزكيَّة، فيكفى العراقيون ما عانوا. لقد جرت دجلة بدمائهم مرات عديدة عبر التاريخ، وجرت الفرات وبقيَّة الأنهار بتلك الدماء كذلك، ولا أظن أنَّ ذرة من تراب العراق لم يرق فيها دم، ولم تزهق فيها روح، أفلا يكفي هذا لاستثارة غيرة أولي العلم والنهى وقادة الرأي للدعوة إلى إيقاف هذه المجازر، والتوقف عن سفك الدماء والجلوس إلى موائد الحوار، والتفاهم على كل ما هو في حاجة إلى بحث وتفاهم؟!

إنَّ الساكت عن الحق شيطان أخرس، وإنَّ الذي يرى هذه الدماء المسفوحة وبيديه أن يقول شيئًا يستنكر به هذه الاستهانة الغبيَّة بدماء الناس وأرواحهم سوف يكون آثمًا آثمًا آثمًا في الدنيا والآخرة، وسوف يحاسبه الله حسابًا عسيرًا على عدم وقوفه في وجه هذا الطغيان والشر، ولم نعد نفهم كيف يرى العلماء الأعلام والمراجع العظام والفقهاء الكرام مساجد الله تنسف وتهدم على رؤوس المصلين فيها ثم يمر أحدهم كأنَّه لم يسمع بشيء من ذلك، أو كأنَّ ذلك الذي يجري إنَّما يجري في عالم آخر لا في عالم الناس اليوم .

تُرى لو أنَّ علماء العراق الأعلام الراحلين أمثال شيخنا أمجد الزهاوي، والسيد آية الله السيد محسن الحكيم الطباطبائي، والسيد آية الله الخوئي، والسادة الحبوبي والخالصي والأصفهاني والبروجردي ومن إليهم، لو كان هؤلاء الأعلام بيننا اليوم هل كانوا سيسكتون عن هذه المآسي؟ ولو كان محمد باقر الصدر وعبد العزيز البدري وأمثالهم في عداد الأحياء اليوم هل تركوا البلاد تغرق في هذه البحار من الدماء وهم ينظرون؟ لا أظن ذلك!.

 لقد رأيت الشيعة والسنَّة يسيرون جنبًا إلى جنب، ويتعرضون إلى السجن والإهانة معًا شيعًا وسنَّة، رأينا عبد الزهرة الصغير والشيخ الخالصي والسيد الحكيم يقفون معًا إلى جانب شيخنا الزهاوي والشيخ قاسم القيسى والشيخ محمد القزلجي والشيخ البدري والراوي وغيرهم يحمون بيضة الإسلام، ويدافعون عن السنَّة والشيعة في وجه ديكتاتوريَّة الشيوعيين واعتداءآتهم، فما لنا اليوم لا نسمع كلمة إنكار ولا همسة استنكار لكل تلك الدماء المراقة، والأعراض المنتهكة، والحرمات المدمرة، والمساجد المخربة، أمات أهل العلم أم أقبر أهل الفضل؟! أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟. لقد أصبح العراقيُّون مضرب المثل في الجرأة على الدماء، والإقبال على سفكها، دون رادع من ضمير، أو وازع من دين، أو رادع من خلق، أو حسب، أو نسب، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

ولن يسعني أن أختم مقالتي هذه دون تذكير بوش الصغير وأبيه الكبير وجنودهما وملأهما، بما جرَّته حماقاتهما على أمريكا والعالم، وفداحة الخسارة العالميَّة بذلك القرار الجائر لاحتلال العراق، وتفكيك وحدته، وإعادته ثلاث قرون إلى الوراء بمقاييس الحضارة والتحديث، وإعادة شعبه إلى عصور القبليَّات والطوائف المتصارعة، فذلك ما جناه الشعب العراقي منذ 2003، وقبلها في 1991 عاصفة الصحراء، وكأنَّ إعادة هذه الشعوب إلى القبليَّة والطائفيَّة وسائر الأفكار الرديئة والمدمرة سبيل إلى الديمقراطيَّة المزعومة، وإذا كان لا سبيل إلى الديمقراطيَّة إلا هذا الاحتلال والتدمير فبئست الديمقراطيَّة، وخسئت الليبراليَّة التي يدعونها، ليبراليَّة الدماء، والتدمير، والطوائف، وتحويل الدم الإنساني إلى مجرد وسيلة لملئ الصهاريج ببترول العرب والبنوك بأموالهم.

  فيالا ضيعة القيم، قيم الإنسانيَّة على اختلافها، سواء ما جاء به الأنبياء والرسل أو ما توصل إليها الإنسان بهدايته، واستنارته، وعقله، وكيف يستسيغ حزب يسمي نفسه بحزب الدعوة في العراق وعلى رأسه المالكي والجعفري أن يمرغ اسم السيد محمد باقر الصدر مؤسس ذلك الحزب بالرغام، والتراب، وتتحول الدعوة آنذاك إلى وسيلة تفكيك وتدمير وتخريب، وإفساد في الأرض، ألا فليتقي الله هؤلاء، فإنَّ إساءتهم أكبر بكثير من إساءآت الشيوعيين، والبعثيين، والداعشيين، بل والتتار أنفسهم، وما من أجل ذلك أسَّست المدرسة القرآنيَّة الصدريَّة ذلك الحزب. تُرى ماذا يقول المالكي والجعفري والأديب والشهرستاني وغيرهم إلى محمد باقر الصدر، وسوء خلافتهم له، وفهمهم لدعوته ونداءآته؟.

 نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن فتنة الشيطان، وفتنة الكرسي، وعبادة الدرهم والدينار، والكرسي من دون الله (جل شأنه)، ألا تعست تلك الكراسي، والجالسين عليها، إذا لم يهتدوا إلى الحق، ولم يعفوا عن سفك الدم الحرام في الأشهر الحرم، اللهم هيئ لهذه الأمَّة أمر رشد، وأخرجها من محنتها، وخذ الظالمين أخذ عزيز مقتدر إنَّك سميع مجيب.

[1]  الإمام الشافعي رحمه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *