أ.د: طه جابر العلواني.
هالني الإحصاء الذي نشرته حكومة بغداد عن المذابح التي وقعت في الشعب العراقي، فقد كان الإحصاء يقول: “إنَّ عدد القتلى خلال الشهور الأربعة الماضية جاوز تسعة آلاف قتيل”، ولم يشر الإحصاء إلى عدد الإصابات، فلو فرضنا أنَّ كل قتيل يقابله أربعة من المصابين أو الجرحى، فذلك يعني أنَّ العراق قد خسر خمسين ألفًا من أبنائه خلال أربعة شهور، وهذه الأرقام الهائلة تتجاوز خسائر أي قطر من الأقطار الأوروبية التي انخرطت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، فما الذي حدث لهؤلاء الناس؟
وإذا ضممنا إلى هذه الأضاحي الشهداء السوريين، والمصابين من أبناء سوريا، ومصر، وليبيا، والسودان، والبلدان الأخرى؛ فستتضاعف الأرقام أضعافًا كثيرة تتجاوز كل ما خسره العرب والمسلمون في حروبهم ضد إسرائيل، كما تتجاوز حروب الاستقلال والتحرير لكل بلد من هذه البلدان. بالله عليكم ألا تدع هذه الأرقام الحليم حيران؟ ألا تستحق أن نقول إنَّ هذه الأمَّة تعاني من بلاء؟ فقد ألبست شيعًا، وصار بعضها يذيق البعض الآخر بأسه الشديد الذي لا يرحم، والأغرب من كل ذلك أنَّ الناس يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وقاتل اليوم هو المقتول غدًا، فما لهؤلاء القوم ما الذي حدث لهم؟ هل فقدوا رشدهم؟ هل فقدوا دينهم؟ هل فقدوا إنسانيتهم؟ وإلى متى تستمر هذه الفتن؟
يقولون في أمثالهم: “الدم لا يصير ماء” لكننا عشنا لنرى زمنًا صار الدم فيه يكاثر الماء دون شعور ودون أي رد فعل، ويذيع الإعلاميون من فضائيَّاتهم، وبوسائل إعلامهم المختلفة الأرقام بدماء باردة، ولا تسقط حكومة، ولا يهتز نظام لقتل الآلاف. أذكر أنَّه في سنة 1949 سقطت حكوماتان عراقيتان خلال فترة لم تجاوز أسبوعًا واحدًا نتيجة مظاهرات طلابيَّة سقط فيها قتيل واحد؛ فقامت القيامة ولم تقعد، واستقالت وزارة وشكلت أخرى ولم يهدأ الشارع حتى أقيلت الوزارة الثانية وجئ بالسيد محمد الصدر –آنذاك- بلحيته، وطلعته المريحة رئيسًا للوزارة؛ لكي يطمئن الناس، ويأمنوا أنَّهم صاروا بأيدي أمينة، واليوم يقتل الآلاف فلا يرى وزير، أو مدير، أو مسئول مؤسسة، أو رئيس برلمان في العراق أنَّ هذه الأنهار الجارية من الدماء تدل على فشله، وعلى ضرورة تنحيه، وابتعاده عن سلطة لا يتقنها. لا أدري والله ولا أستطيع أن أجد في القاموس كلمة أصف فيها هذه المشاعر، أهي بلادة، أم صلابة، أم ماذا؟
أنْ يرى رئيس حكومة العراق أنَّه لو سالت دماء العراقيين كافَّة فلا يضيره ذلك شيئًا، وبدلًا من أن يسترضي شعبه، أو يواسيه، أو يعزيه، أو يقف إلى جانبه فإنَّه يذهب إلى أمريكا يسألها الرضى والقبول، ويعرج على الشريك الثاني في النفوذ السياسي في العراق ليطلب رضاه كذلك. أمَّا العراقيون فلهم الدمار، والقتل، والتشريد، والنفي، والإبعاد في الداخل والخارج، والمقابر الجماعيَّة، وكل ذلك يأتي في عهد يحكم فيه حزب أطلق على نفسه حزب الدعوة، فأيَّة دعوة هذه التي تهلك الحرث والنسل، وتبغي الفساد في الأرض، وتعلي كلمة الطغاة واللصوص والناهبون، وإلى من ينبغي أن يتجه العراقيون لينصفوا من هذا الذي لم يحدث إلا في أكثر الفترات التاريخيَّة ظلاما؟ هل يرضي هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن في شهر صفر؟ هل يرضي أحدًا من أهل بيته؟ هل يثأر لدمائهم الطاهرة؟ هل يعيد العدل بعد أن ملئت الأرض جورًا وظلمًا؟
إنَّ هناك حلًا واحدًا: أن يقف العراقيون كافَّة ذكورًا وإناثًا، شيبًا وشبابًا، أطفالًا رضع ببهائمهم الرتع، ويتجهون إلى الله بصوت واحد، وبعد توبة خالصة عامَّة نصوح ليقولوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ (الدخان:12)، ﴿.. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الأعراف:23)، ويقولون: اللهم إنَّنا عزمنا على التوبة النصوح والتشبث بتقواك، ﴿.. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق:2-3)، ويقولون: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ (الأعراف:196)، وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم برحمتك نستغيث ليس في مقدورنا أن نغير هذه الأوضاع إذا لم تغيرها أنت، ربنا ما خلقت هذا الكون باطلًا، بل خلقته بالحق، فبالحق الذي أقمت الكون عليه اهزم هؤلاء الجمع بجنود لا يعملها إلا أنت ورد كيدهم في نحرهم، وشرد بهم من خلفهم، وبدد جموعهم؛ فقد كفروا بك وآمنوا بإسرائيل، وأمريكا، وحلفائهما، وقد كفروا بك، وآمنوا بآلهة اتخذوها، وأصنام صنعوها، اللهم عاداتك في أمثالهم، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، فقد طغوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد؛ فصب يا رب بقدرتك عليك سوط عذاب، اللهم ارحمنا بأطفالنا الرضع، وارحمنا بشيوخنا الركع، والطف بنا ولو من أجل بهائمنا الرتع، وأعنا على هؤلاء الطغاة، وأرنا فيهم عجائب قدرتك إنَّك على ذلك قدير.
وعليهم أن يكرروا ذلك حتى ينظر الله إليهم بعين القبول، ويري فرعون وهامان، وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون، ويعلن نعمته: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص:5)، قولوا آمين، وقوموا لله مثنى وفرادى ومجتمعين، وأخلصوا التوبة لله (عزَّ وجلَّ) يستجب لكم، إنَّه مجيب الدعاء قابل الرجاء يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، يجير ولا يجار عليه، غافر الذنب وقابل التوب سبحانه.