Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الأحاديث الموضوعة والضعيفة وآثارها السلبيَّة في بناء الأمَّة والمجتمع

أ.د/ طه جابر العلواني

لا يختلف اثنان أنَّنا مأمورون بطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فطاعته من طاعة الله (جل شأنه)، ولا شك أنَّ حياته كلها قائمة على القرآن المجيد؛ لأنَّه عليه أنزل، وعلى قلبه عُرض؛ ولأنَّه (عليه الصلاة والسلام) أمر بتلاوته على الناس، وتعليمهم آياته، وبيان حكمتها وأحكامها لهم، وتعليمهم إياها، وتزكيتهم بها، فهي حجة لا مراء فيها، لكن الله (جل شأنه) ابتلى المؤمنين ليجعلهم دائمي الرجوع إلى القرآن بأن وضعت بعض الأحاديث كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورويت بعض الأحاديث بطرق ضعيفة، وأصابت بعض الأحاديث التي تنقل الأخبار والسنن عن رسول الله آفات من شذوذ وعلل قادحة، جاءت من روايات رواة بعضهم دلَّس، وبعضهم عنعن، وبعضهم لم يفقه الحديث الذي تلقَّاه ونقله، إلي غير ذلك من آفات.

 وبعض تلك الأحاديث المفبركة أو الضعيفة جدًا، أو التي رواها مدلِّسون حملت علل وأمراض، انتقلت إلى عقول أبناء الأمَّة فأفسدتها، بعضها جاء على معارضة القرآن المجيد ومناقضته، وبعضها جاء مناقض لسنن صادقة وثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعضها مناقض للعقل ولكليَّات القرآن ومقاصد الإسلام؛ ولذلك فإنَّ علماء الأمَّة قد أنفقوا الكثير من نفائس أعمارهم في كتابة وإعداد قواعد كثيرة؛ لتصفية هذه الأحاديث، وتنقيتها، وعدم السماح بمرور الموضوعات والمعلولات إلى ساحات العقل المسلم، وميادين التفكير؛ لكيلا تفسد على الناس دينهم.

 ومعظم تلك القواعد كانت قواعد قيمة هامَّة، كفيلة لو أحسن تطبيقها بحماية عقول الأمَّة من تلك الأحاديث الموضوعة، والأخبار المكذوبة والضعيفة والشاذة والمناقضة لكتاب الله، ولما صح وصدق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهناك أحاديث جاءت في امتداح شعوب وذم شعوب أخرى، ومدح قبائل وذم قبائل، ومدح جهات وذم جهات أخرى، وكلها تأتي على منافاة ما هو معلوم بالضرورة من كتاب ربنا، وما صح عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنَّ الأكرم والأفضل من البشر هو التقي، وليس المنتمي إلى هذا القبيل أو ذاك: ﴿.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ..(الحجرات:13).

 وجاءت أحاديث أخرى تأثرت بثقافة أهل الكتاب، التي كانت سائدة في جزيرة العرب عند مبعث رسول الله، وبدء نزول القرآن، ولقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كثير من الصعوبات في تنقية عقول العرب وبيئتهم من بعض تلك الأساطير، التي هي أقرب إلى الخرافة والشعوذة وما إليها، لكن بعضها قد نجح في الإفلات من قواعد المحدثين والوصول إلى عقول الأمَّة، فنجد كثير من الوعَّاظ والقصاصين يروون في قضايا المرأة أحاديث قد أفسدت الرؤيا الإسلاميَّة لها، فالله (تبارك وتعالى) قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13) وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء:1) وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ..(آل عمران:195). وذكر بلقيس ملكة سبأ في الكتاب الكريم، ونوَّه بحكمتها، وإسلامها مع سليمان لله رب العالمين ﴿.. قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل:44).

 ورسول الله يعتبر النساء شقائق الرجال بناء على ما أنزل إليه من ربه، ومع ذلك أباح البعض لأنفسهم أن ينسبوا إلى المرأة كل قبيح، ومنها أنَّها أغرت آدم بالأكل من الشجرة، في حين نسب القرآن الكريم ذلك إلى آدم نفسه، فقال (جل شأنه): ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (طه:115)، ونسبوا إليها السحر، واختلقوا حديث لا أصل له يقول: “لا تعلموهن الكتابة؛ فإنَّهن إن تعلمن الكتابة تعلمن السحر”. وبقي هذا الحديث مسيطرًا على العقل المسلم في سائر قرون التخلف، في حين أنَّ هذا الحديث الموضوع المختلق كأنَّه دعى الناس إلى العودة إلى الجاهليَّة، حين كان العرب في جاهليتهم يأنفون تعليم بناتهم القراءة والكتابة، ويعتبرون القراءة والكتابة شيء يليق بالرقيق لا بالأحرار ولذلك قال شاعرهم:

هنَّ الحرائرُ لا ربَّاتُ أخمرةٍ ****سودُ المحاجرِ لا يقرأنَ بالسّورِ

ولم تشع في مجتمعات المسلمين ظواهر السحر والشعوذة والانحراف في جل عصور التخلُّف إلا بشيوع مثل تلك الأخبار الموضوعة والمختلقة والضعيفة والمعلولة وما إليها؛ ولذلك فلابد للخطباء الذين يعتلون المنابر، ويعلِّمون الناس دينهم أيام الجمع أن لا يذكروا أي حديث على المنبر لم يدرسوه دراسة وافية، ويتأكدوا من صحته، وأن يقتصدوا في الرواية ويقصروها على الصحيح الثابت المتفق مع كتاب الله، وما صح بالدليل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمَّا ما عدا ذلك فإنَّه يعد بمثابة السموم القاتلة والمدمرة التي لا ينبغي أن يقدموها بأي حال من الأحوال لمستمعيهم.

         إنَّ أي حديث مناقض للقرآن الكريم ينبغي أن يبتعد الخطيب عن روايته وعن الكلام فيه، فالقرآن الكريم عندما قص علينا قصة ملكة سبأ التي كانت تتمتع بالولاية العامَّة على قومها؛ نوَّه بأدبها وحسن وصفها لخطاب نبي الله سليمان إليها، لأمانتها فيه وتواضعها وعدم استكبارها على ذلك، ونوَّه بخضوعها لمبدأ الشورى والتزامها به، وإبداء رأيها باعتبارها واحدًا من القوم لا باعتبارها ملكة تدعو الناس إلى طاعتها وتنفيذ ما تراه أيًا كان.

 فلا ينبغي لخطيب أن يتحدث عن ولاية المرأة بمجرد الأقوال الفقهيَّة التي برزت في عصور معينة، وكأنَّها تريد أن تشرعن لما كان يجري في تلك العصور، ولو على خلاف كتاب الله وما جاء به، والتشبث بما روي في إطار تعقيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فشل الفرس في معركتهم ضد الروم حين عقب بما أثر عنه: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

 إنَّ مجتمعاتنا اليوم تكاد تخسر ولاء بناتها وأجيالها الطالعة للإسلام؛ نتيجة إكثار المسلمين من تداول تلك المأثورات التي تعوزها الدراسة، والخضوع للقواعد والفهم الصحيح، والتخلُّص من آثارها السلبيَّة بقدر الإمكان، ومهمتنا نحن الدعاة والخطباء أن نكسب الناس إلى دوائر الإيمان، وحب الإسلام، وحب بعضهم لبعض، والتخلُّص من سائر تلك  السلبيَّات، وما جرَّته علينا من ويلات ومصائب.

 إنَّ الأسرة المسلمة آخر معقل نحتمي به، ونلجأ إليه، وهي مستهدفة اليوم من خصومنا وأعدائنا الذين يسعون لهدم الأسرة المسلمة، وتحويل العلاقة بين الرجال والنساء إلى علاقات صراع وتحارب؛ لهدم البيوت وتفكيك الأسر، فالحذر الحذر من التفريط في الأسرة المسلمة، ولا شئ يمكن أن يساعدنا مثل القرآن الكريم، والتمسُّك بما جاء به، واتخاذ أمهات المؤمنين نماذج يتأسى بها ويهتدى. إنَّ جلودا مائير استطاعت أن تقود شعبها في اسرائيل في عدة حروب ناجحة ضد شوارب العرب، وكذلك مارجريت تاتشر التي قادت بريطانيا في ظروف حالكة، وأنجيلا ميركل التي قادت ألمانيا فازدهر اقتصادها، كما ازدهر في عهد كونراد أديناور. ومن يدري لعل الله (سبحانه وتعالى) يقيِّد لهذه الأمَّة نساء فضليات مثل هذا النوع من النسوة؛ يستدركن ما فات الرجال، ويقمن بما لم يقم الرجال به، وقديمًا قال أبو الطيب المتنبي يرثي امرأة عظيمة:

ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا *** لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ

وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ *** ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ

فالعبرة بالتقوى والكرامة والإيمان، والتفاضل بالحكمة وفصل الخطاب. فعلينا أن نحافظ على  المرأة؛ لأن المحافظة عليها والرقي بها محافظة على الأسرة التي هي آخر معاقلنا وآخر حصوننا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *