Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الهجرة ج3

خطبة الجمعة الثانية.

أ.د/ طه جابر العلواني.

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله؛ الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته ومن تبعه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، ثم أمَّا بعد:

تحدثنا في خطبة سابقة عن بعض جوانب الهجرة، وأشرنا إشارات سريعة إلى بعض الأحكام المتعلقة بها؛ فلقد تعلقت بالهجرة أحكام، منها تحديد من يعتبرون سلف هذه الأمة، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة:100) فقد خص الله هؤلاء السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بما ذكر الله (جلَّ شأنه) من نعمته وفضله ورحمته ورضوانه، فليس لأحد أن ينازعهم هذه النعمة أو ينافسهم على هذه المكانة.فهؤلاء صحبوا النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأحسنوا الصحبة، وشهدوا الوحى ينزل عليه؛ فأخذوا النور من منبعه، وعزّروا رسول الله ووقروه، واتبعوا النور الذى أُنزل معه، فهم خير من يقتدى الناس بهم، ويتعلموا منهم منهج اتباع وطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 وأمَّا الذين اتبعوهم فيفترض بهم أن يتبعوهم بإحسان و هذه الخصوصة لهم ولمن اتبعوهم بإحسان ممن أعلن الله (جلَّ شأنه) قبل البعث وقبل الحشر دخولهم في دائرة رضاه ومغفرته وعفوه؛ هذه المكانة وهذا المقام ترتب على الهجرة والنصرة؛ الهجرة من المهاجرين، والنصرة وحسن الوفادة والاستقبال من الأنصار، وإذا كان الله (جلَّ شأنه) قد أعلن هذا الفضل الأخروي الذي لا يوازيه فضل على أولئك الأصحاب فإنَّ الأمر لم يقف عند ذلك الحد؛ بل كان لهم بعد أن أذن الله بالقتال ثم أمر به نصيب مميَّز من القسم في الغنائم لا يستحقه من يستحقه إلا بالهجرة؛ فالذين يأتون بعدهم ما كان لهم أن ينسبوا لأنفسهم فضل الهجرة والمهاجرين لمجرد أنَّهم هجروا ما وقع الناس فيه من أمراض وانحرافات؛ فذلك اختزال لمفهوم الهجرة الذي كان مفهوم اختيار كامل، وكذلك الحال بالنسبة لمفاهيم “السلف والصحبة”.

 فإمَّا اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والسير معه، وإمَّا اتباع شيوخ الكفر من القرشيين ومن ناصرهم وآزرهم من أهل الكتاب والمنافقين؛ هذا الاختيار هو الذي كان يميز المهاجرين عن سواهم؛ فالمهاجر يهجر كل ما أمره الله بهجره من الذنوب والسيئآت ويهجر أهل تلك الأمور من المذنبين والمنحرفين ومن إليهم؛ فليسو سواء في هذا الشأن، وحفظ هذه المقامات لا يقوم على مجرد الاعتراف بفضائل أهل الفضائل، ولكنَّه يقوم أيضًا على تثبيت الأطر المرجعيَّة فأولئك الذين وصفهم الله بالسبق وأنعم عليهم بإعلان عفوه ومغفرته وأنَّهم سيكونون من أهل جنته فيه معنى التأسيس لمرجعيَّة ذلك الجيل، وأنَّه جيل تلقي وجيل اقتداء لقربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولتلقيه المباشر عنه، ورؤيته وهو يتحرك بتلك الآيات بين ذلك الجيل السعيد.

 فمن جاء بعدهم فعليه أن يعترف بالفضل الذي أتاهم الله (جلَّ شأنه)، وعليه أن يتخذ منهم نماذج يقتدى بها في التلقي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهج اتباعه والاهتداء بهداه؛ ولذلك فإنَّ من الغريب على الإسلام تلك المطاعن التي يوجهها البعض إلى أولئك السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وتناولهم بالطعن والسب، وكل أنواع الإيذاء بمزاعم وحجج كاذبة لا تصمد للبحث التاريخي، ولا تستقيم؛ كما أنَّ التعديل المطلق الذي قد يتناول أولئك الذين استثناهم الله  (جلَّ شأنه) في نحو قوله: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (التوبة:101)، فذلك أمر أيضًا لابد من مراجعته؛ أمَّا من وقعت منهم بعض الأخطاء فنكل أمرهم إلى الله (جلَّ شأنه) فهو الأولى بهم، وعلينا أن ندعوا لهم ونستغفر لهم بما جاهدوا الناس عليه من إيصال رسالة الإسلام إلينا، وإبلاغها إلى أجيال بعدت الشقة بينها وبين جيل التلقي، ولولا إبلاغهم وحملهم للرسالة ونقلها جيلًا بعد جيل لما وصلت الرسالة إلى أقوام كان من الممكن أن يكونوا من بين الكافرين اليوم. فنسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ويمن علينا بحسن التأسي برسول الله، والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته إنه سميع مجيب. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، ثم أمَّا بعد:

صدق الوعد النبوي حين كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريقه إلى المدينة، وجند قريش يجوبون الطرقات المختلفة التي تصل بين المدينة ومكة. استطاع سراقة ابن مالك المدلجي أن يَبْلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبه أبي بكر الصديق( رضى الله عنه ) في الهجرة وهو يومئذ مشرك طمعًا في جائزة قريش؛ فلما وصل للرسول انغرست قدما فرسه في الوحل ؛ فطلب من رسول الله أن يدعوا الله لينجيه مما هو فيه على أن يرجع عنهم ويعمي عنهم الطلب، فدعا له رسول الله ثم قال له: “كيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ كسرى ومِنْطَقَتَه وتاجه. فقال سراقة: كسرى بن هرمز؟ فقال رسول الله نعم” ثم انصرف سراقة، فلما فتح سعد بن أبي وقاص المدائن في زمن خلافة عمر بن الخطاب، أرسل سواري كسرى وتاجه ضمن الغنائم إلى الخليفة فتحقق لسراقة وعد النبي له حيث ألبسه عمر سواري كسرى.

إنَّ الله (جلَّ شأنه) ما خلق السموات والأرض إلا بالحق. والله (تبارك وتعالى) يحق الحق دائمًا بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسله ليطاع بإذن الله؛ فليس هناك أحد غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسر الله له طاعة العباد، واتباعهم له؛ فللنبوة والرسالة سلطان على القلوب والنفوس، والدعاة مهما صدقت نواياهم وصلحت سرائرهم ومقاصدهم لا ينبغي لهم أن يشبهوا أنفسهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يتطاولوا إلى تلك المكانة العلية التي خصه الله بها.

درس آخر نتعلمه من سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  أبي عبد الله الحسين (رضي الله عنه وأرضاه)، وهو درس للبشرية –كلها- تتعلم رفض الاستبداد، وإسناد الأمور  إلى غير أهلها. كان الاتفاق بين السبط الحسن  (رضي الله عنه) ومعاوية أن يتنازل الحسن (رضي الله عنه) لمعاوية و يبايعه أن يعيد  معاوية أمر الأمّة إليها بعد وفاته ولكنّ معاوية يغفر الله لنا وله لم يفعل وطلب البيعة كولده يزيد لم يكن أهلًا للخلافة وما يزال هنالك عدد من المهاجرين والأنصار وأبنائهم. وحدثت في عهده مصائب استنكرها كثيرون وفي مقدمتهم أبو عبد الله الحسين وأنكروها عليه فما زاده ذلك الاّ استبداد ورفضا للتشاور واستكبارًا عن النزول على إرادة الأمّة فقاد الامام الحسن ثورة لم تكن مكافئة لقوة الدولة فاستشهد وعدد من أهل بيته في منطقة “الطفّ” من كربلاء في العراق في العاشر من محرم سنة 61 وضرب للناس مثلًا رائعًا في رفض الاستبداد والثورة عليه، والتضحية بالغالي والنفيس لإزالته، وإعادة شئون الأمة إليها. فالاستبداد إلغاء للأمّة، وتدمير لانسانية ابنائها، ولا يليق بأمة مسلمة أن تكون مرتعًا للاستبداد والمستبدين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *