على هامش المخاطر الطائفية
الحلقة الثانية
أ.د/ طه جابر العلواني
يبدو أنّ هناك ما يمكن تسميته بالتراث الطائفيّ، وأنّ هناك علماء وأئمة تداولوا ذلك التراث وحافظوا عليه جيلًا بعد جيل، ومن أهم وسائل ذلك التراث الطائفي الإشاعات:
- فقد أشاع كثيرون أنّ طهران وهي عاصمة كبيرة تضم الملايين، فيها كنائس وفيها معابد يهودية، ولكنَّها لا تسمح بوجود أيّ مسجد سنيّ. ويقول آخرون: إنّ فيها أربعة مساجد سنية، لكنها مغلقة؛ لأنه لا يوجد سنة يستطيعون أن يظهروا بمذهبهم السنّي في طهران.
- ومن الشائعات أيضا أن إيران اكتشفت أنّ هناك ثغرات في الفكر الصوفي يمكن أن تدخل كثيرا من الأفكار الصفوية من خلالها لتشيعها في المنطقة عموما وفي الدول الخليجية خصوصًا، وأّ أصحاب الفكر الصوفي يمكن أن يُستخدموا لاستقبال الأفكار الصفويَّة ويثوروا فيها تمهيدًا لتحريك الاتجاهات الصوفية ضد الأنظمة العربية عامّة والخليجية خاصة (ولم ينس المصريون بعد تصدر السفير الأمريكي السابق في القاهرة لمواكب المتصوفة وهي تحتفل بمولد السيد البدوي في طنطا، وعدم غيابه والسيدة زوجته عن أي حفل صوفيّ كبير طيلة فترة وجوده في القاهرة).
- نسب إلى حكومة المالكي في العراق أنّها اختارت من بين المراجع الشيعيَّة في العراق عشرين مرجعًا، وقررت تقديم المرتبات ومكافآت سنويَّة لكل منهم تقدر بأربعمائة مليون دولار، وذلك لتمكينهم من تعزيز حوزاتهم وتجنيد الطلاب، إضافة إلى مشايخ آخرين لتعزيز عمليّات نشر المذهب في العالم، ويقول أصحاب الشائعات أنّ ذلك باتفاق أو تفاهم مع إيران التي لم يعد الحصار يسمح لها بأن تمارس ذلك الدور، فصارت حكومة المالكي نائبة عنها في ممارسته، والعهدة على أصحاب الشائعات.
- يشيع البعض أنّ السلطة العليا الكبرى في إيران اقترحت على جميع المتصلين بها وأتباعها المؤمنين بولاية الفقيه إحصاء ومسح جميع الفئات والأحزاب السنية والأفراد المؤثرين والمتعاطفين معها خاصَّة من فئة علماء الدين، والعلماء الآخرين، ورصد العناصر والتيارات المناوئة للتوسع الإيراني في البحرين وغيرها والامتداد الشيعيّ في العراق وسواها، وتشخيص كل من يحاول الوقوف في وجه المد الشيعيّ، ابتداءً من العائلة الحاكمة في البحرين والسعودية والإمارات والكويت إلى سائر الموظفين الكبار في حكومات الخليج، وفي الوقت نفسه كلفت أجهزة خاصة برصد وإحصاء المواطنين الشيعة الذين يحتلون وظائف في جميع بلدان الخليج والعراق ولبنان واليمن، وذلك للعناية بهم وتمهيد السبل أمامهم للوصول إلى مراكز هامَّة في المؤسسات والمصالح في تلك البلدان، كما أنَّها أوعزت بتشكيل مكتب تنسيق مشترك يتبع مرشد الثورة السيد الخامنئي ليقوم بمتابعة تلك الأمور والتنسيق بين الجهات المختلفة لتحقيق هذه الأهداف، كما يشاع بأنّ فتاوى صدرت بإباحة دماء الخطرين من علماء السنة والمفكرين في المنطقة على غرار الإبادات التي جرت في العراق لتهيئة الساحة للامتداد الإيرانيّ.
- وهناك شائعة أخرى تقول بأنّ هناك تجار شيعة وأكثرهم من طائفة البهرة والإسماعليين قدمت لهم أموال كثيرة لشراء كل ما يمكن شراؤه من أراض وممتلكات ودور قديمة وحديثة في مناطق الأزهر والدرَّاسة والغوريَّة والباطنيَّة امتدادًا إلى العباسية من ناحية والسيدة نفيسة من ناحية أخرى، لتتصل بالسيدة زينب، وأن هذا الامتداد لم تستطع الوقوف أمامه القوانين المصريَّة الصارمة في عدم تمكين الأجانب من تملك الأراضي إلا بنسب ضئيلة وبمشاركات مصريَّة، فقد وجدوا في المتعة ونكاح المتعة سبيلا لا ستقطاب بعض السيدات المصريّات وتسخيرهن في شراء هذه الأراضي مقابل عمولة. إضافة إلى إحياء نزعة التشيع لدى تلك الفئات التي هاجرت إلى مصر في عهد فاروق بعد اقتران شاه بهلوي بالسيدة فوزية شقيقة الملك فاروق.
- ويُذكر أصحاب هذه الشائعات بالظواهر التي بدأت تبرز منذ عام 2007 حيث صار احتفال مجموعات من الشيعة القادمين من الخليج والعراق وإيران مع بعض المجموعات المصرية بحيث قُدر العدد في سنة 2011 في يوم عاشوراء بحوالي مليونين شيعي اعتبروا مصريين، وكلهم قاموا باللطم والهتاف يا حسين يا حسين، وتزاحموا رجالا ونساءً على المشهد الحسيني وغصت المنطقة بهم، وهذا العدد مهما قيل عن المبالغة فيه لكنَّ المنطقة بالفعل كانت مترعة بالمحتفلين وبالطعام الذي كان يقدم لهم، وكأنّ المشهد في كربلاء أو في النجف، وقد ترتبت على ذلك مشكلات كثيرة، وأخذت فضائيات كثيرة تتحدث عن الوجود الشيعي في مصر وبرزت بعض الشخصيات لتقول إنها دخلت المذهب الشيعي وكتبت في ذلك وبينت أسباب تحولها إلى ذلك المذهب، وما تزال ذيول هذه الأحداث تتفاعل في المجتمع وصار الناس يسمعون بأنّ الأستاذ فلان قد دخل المذهب والشاعر فلان قد تشيع وفلانة قد أعلنت تشيُعها، ولم يَعد غريبا أن يُسمع سب الصحابة في مسجد الإمام الحسين الذي كان أهم مسجد يرفع طه الفشني وغيره من قرَّاء التواشيح أصواتهم بالثناء على آل البيت وعلى الصحابة والتابعين والترضي عنهم والدعاء لهم، وأصبحت رؤية العراك في الساحات الممتدة ما بين الأزهر والحسين بين من يسبُّونه الصحابة ومن يدافعون عنهم شبه مألوفة للمصريّ العاديّ الذي لا يكون من هؤلاء ومن أولئك، فيمط شفتيه ويتفرج قليلًا ثم ينصرف.
- كما أشيع أنّ هناك بعض مشايخ الصوفية في مصر وغيرها بدأوا يتقاضون مرتبات من مكتب الولي الفقيه في شكل هدايا تقدم إليهم، وهناك اجتماعات دوريّة تعقد لمكتب التنسيق هذا في بلدان المنطقة وخارجها وتتدارس قوائم أسماء الموالين والمعادين ومن لم يُحددوا مواقفهم حتى الآن، ويحتل بعض العراقيين موقع هامَّة في تقديم خبراتهم في هذه المجالات، وقد صدرت أوامر الولي الفقيه بدعم النظام السوريّ واعتبار معركته وانتصاره فيها معركة شيعيَّة ضد محاولات انقلاب سنّي مئة في المئة، وقد أعدت خرائط جديدة للمنطقة تُحدد الأوصال الممزقة التي سيتم توزيعها على الطوائف.
- كلّف مكتب التنسيق كثيرًا من التجار في المنطقة الشرقية بالاهتمام بشراء أراضي ومزارع بأسماء أفراد ومؤسسات شيعية حتى تصل المنطقة الشيعيّة في الشرقية بحفر الباطن ورفة وحديثة لتبدوا هذه المنطقة كلها منطقة شيعية ترتبط بالمنطقة الشيعية في العراق فيما بعد، وتفصل بين الكويت والسعودية بحيث تكون الكويت معزولة عن السعودية تمهيدًا للاستيلاء عليها.
- يُشاع أيضًا أن المكتب التنسيقي يعمل على تقطيع بين اليمن والسعودية بواسطة الحوثيين الذين يتم دعمهم لتوسيع مناطق سيطرتهم ونفوذهم وتكريس صعدة لهم، وأنّ إيران تسعى الآن بكل جهودها للسيطرة على باب المندب، وتحويله إلى ما يشبه مضيق هرمز في قربها منه وقدرتها على التحكّم فيه، وذلك لتحقيق مزيد من القدرة على ابتزاز أمريكا وأوروبا ودول العالم.
ويقترح بعض العلماء والخبراء الإستراتيجيين:
- الإسراع بتحويل العلاقة بين دول مجلس التعاون إلى علاقة وَحدة أو اتحاد في أقل الأحوال، فوحدة دول مجلس التعاون قد تقف في المرحلة الحالية على الأقل سدًا منيعًا في وجه الامتداد الصفويّ.
- تقوية جيش درع الجزيرة وجعله جيشا خليجيًا موحدًا، توفر له كل الإمكانات الدفاعيَّة التي تجعله قادرًا على حماية دول الخليج من كل أنواع التآمر التي تحيط بها، ونشر هذا الدرع في كل دول الخليج دون انتظار وقوع حوادث كما حدث في البحرين لترسل إليها تلك القوات.
- ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجيّ والعمل على توظيف طاقاته البشريّة، وتحقيق السلام فيه، فهو مجال حيويّ للسعودية وللخليج.
- تكوين علاقات جيدة بأكراد العراق، وإيجاد حركة لبناء المساجد والمدارس والجامعات الإسلامية لتذكير الكرد والتركمان بانتمائهم الإسلامي السنيّ، وإعادة اللحمة بينهم وبين أبناء سنَّة العراق، وإلحاق الوقف السني بهم، وتكليف حكومة إقليم كردستان بحماية الوقف السني والإشراف عليه في جميع أنحاء العراق.
في غمرة اهتمام العرب والجامعة العربية في عقد مؤتمر القمة في بغداد قررت الحكومة العراقيّة الاستيلاء على مساجد وجوامع الجامعات العراقيّة كلها، ووضعها تحت إدارة الوقف الشيعيّ وإخلائها من أئمتها ومقيمي الشعائر فيها من السنّة.
ه- القيام بتتبع الجهود الدبلوماسية الفعالة مع أوروبا وأمريكا للدرء الخطر عن الخليج مع ملاحظة أن أمريكا بالذات يهمها كثيرًا أمن إسرائيل ومصالحها. وإيران من أقدر البلدان على استعمال هاتين الورقتين لصالحها.
و- لابد للعرب وخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون من الاهتمام الزائد في مصر وأوجاعها وما تشكو منه، وتبنِّي الأزهر ودعمه بالغالي والنفيس، وتمكينه من القيام بواجباته كمرجعية لمصر وللعالم السني، وتقديم منح كافية للأفارقة والأسيويين للدراسة فيه، وإعادة أمجاده إليه، والاستفادة من علماء البلدان المسلمة كافّة في إحياء أروقته ودورها في خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية، واستقطاب أفضل الطاقات الإسلامية للتدريس فيه كأساتذة زائرين لمدد مختلفة للأخذ منه وإعطائه.
ذلك غيط من فيض الشائعات التي تملأ الساحة وتشغل الأذهان والقلوب والعقول، وتفقد الناس بالإحساس بالأمن في الحاضر أو الأمل في المستقبل، فهل مثل هذه الشائعات أو الإجراءات لو صح اتخاذها يمكن أن يخدم وحدة الأمة أو يؤلف بين قلوبها، أو يدرأ المخاطر عنها، إننا نرجو أن تكون هذه مجرد شائعات ونتمنّى أن لا يكون لها أي نصيب من الصحة؛ لأنّها لو صحت فإنّ ذلك يكون كارثة لا تقل عن كارثة اكتساح الصليبيين للمنطقة أو اجتياح هولاكو لها، بل قد تكون الآثار المدمرة أكبر بكثير من ذلك. إنّ لنا أمالا كبار بعقلاء هذه الأمّة والمخلصين من أبنائها من السنة والشيعة أن يقوموا بإطفاء هذه الحرائق، والحيلولة دون انتشار نيرانها في المنطقة، فإنّ ذلك لن يكون في صالح أي من فصائلها بل إنّه في صالح أعدائها وفي المقدمة إسرائيل. نسأل الله العلي القدير أن يهيء لهذه الأمّة أمر رشد يعز به أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وتعلو فيها كلمة الله، والله من وراء القصد.