Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

التدليس

أ.د/ طه جابر العلواني.

التدليس من المصطلحات المشهورة لدى المحدثين وهو على قسمين:

  أحدهما: أنَّه يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه؛ موهمًا أنَّه سمعه منه.

وأمَّا القسم الثاني من التدليس فهو: الإتيان باسم الشيخ، أو كنيته على خلاف المشهور به؛ تعمية لأمره، وتوعيرًا للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد؛ فتارة يكره كما إذا كان أصغر سنًا منه، أو نازل الرواية ونحو ذلك، وتارة يحرم كما إذا كان غير ثقة فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنَّه رجل آخر من الثقات على وَفْق اسمه أو كنيته[1].

وهم حين يطلقون التدليس يريدون به حقيقة <<الكذب>> ؛ لكنَّهم يتورعون عن ذكر الكذب ويستخدمون مصطلح التدليس بدلًا منه ؛ استعظامًا منهم لرمي الأئمة بالكذب؛ فكلمة التدليس أرق من الكذب.

يعتبر شعبة ابن الحجاج (ت:160ھ) من أكبر أئمة المحدثين والنقَّاد المتقدمين، يقول -عفا الله عنه: “ما أدركت أحدًا في هذا الشأن -يعني من المشتغلين بالحديث رواية ودراية- إلا وهو يدلس” ولم يستثنِ إلا اثنين عمرو بن مرة (ت:116ھ)، وعبد الله بن عون (ت:151ھ)، وشعبة نفسه قد رماه الأئمة النقاد بالتدليس، وأكدوا أنَّ كل مشايخه دون استثناء مدلسون؛ ولذلك عدوه فيهم، وشعبة بن الحجاج هذا يعتبر إمامًا وشيخًا لأهم النقاد المتقدمين، وفي مقدمتهم يحيى بن سعيد القطان (ت:198ھ) وهو إمام ليحيى ابن معين (ت:233ھ)، ويعد في شيوخه، وكذلك أحمد بن حنبل (ت:241ھ) وعلي بن المديني (ت:234ھ)، وابن معين وأحمد وابن المديني هؤلاء يعدون من أهم مصادر البخاري (ت:256ھ)، ومراجعه، فهم يعدون في أشياخه وأئمته؛ ولذلك فقد اتفق المحدثون النقَّاد الكبار على أنَّ الحديث المنسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ثبت أنَّ كل رواته ثقات وفي إسناده عنعنة إذا تعارض مع نص قرآني كانت معارضته للنص القرآني دليلًا على بطلانه سندًا ومتنًا، ويعدون العنعنة في إسناده تدليسًا، ويعتبرون أنَّ من عليه مدار الحديث مدلس.

وحين نراجع مئآت الأحاديث المتداولة في وقتنا هذا والتي يعتمد عليها كثيرون في تحديد مواقفهم من كثير من القضايا حين تعرض على القرآن الكريم وتتناقض مع أي آية من آياته ؛ فينبغي أن يقال ببطلانها وفقًا لهذه القاعدة التي تعد في القواعد المتفق عليها، والله أعلم.

[1] الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث، ابن كثير، النوع الثاني عشر، المدلس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *