Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

بين خوارق العادات والآيات البينات

أ.د/ طه جابر العلواني

يقول الله (جل شأنه): ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة:253)، ولعل أهم الدرجات التي منَّ الله (جل شأنه) على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها أن منَّ الله عليه وعلى البشريَّة بإنزال هذا القرآن وآياته البينات على قلبه؛ ليكون للعالمين نذيرًا، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (الفرقان:1).

 وكل تلك الآيات منهم، من سفينة النجاة التي صنعها نوح فجرت به وبمن معه في موج كالجبال إلى شاطئ النجاة، إلى النار التي صارت بردًا وسلامًا على إبراهيم، إلى آيات موسى التسع، ثم آيات سليمان، وداود، وعيسى بن مريم، كل تلك الآيات خرقت سننًا وقوانين كان الله (جل شأنه) قد وضعها لهذا الكون مظهرًا من مظاهر تدبيره، ودليلًا على عظمته وقدرته، وزوَّد أنبياءه المذكورين بآيات تقوم على خرق تلك القوانين والنواميس، لمرة واحدة أو مرات؛ ليكون ذلك الخرق دليلًا على الخلق، ومع ذلك لم يصدقها المكذبون، ولم يؤمن بها الكافرون، ولا أسلم عليها المشركون.

 أمَّا آية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كانت القرآن المجيد، ذي الذكر، والآيات البينات المبينات، به تحدى الناس، وعن الإتيان بمثله عجزوا، لكن هذه الآية العظمى الكبرى هي أكبر الآيات بإطلاق، وأجلها وأعظمها، ﴿وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الزخرف:48)، فكان القرآن أكبر الآيات وأعظمها، لكنَّه قام على تثبيت الكون وسننه ونواميسه وقوانينه، ولفت أنظار البشريَّة إلى ما فيها من دقة، وحكمة، فتبارك الله أحسن الخالقين.

        من هنا نستطيع القول: بأنَّ أحوال البشريَّة السابقة كانت تهيئها للانبهار بخرق السنن، والنواميس، والقوانين، أمَّا القرآن المجيد فقد كان يلفت أنظار البشريَّة إلى تلك السنن، والنواميس، والقوانين؛ للاستدلال بها على أنَّ الله قد أتقن صنع كل شيء ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (النمل:88)، ومن هنا كان الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون، والاستعانة بكل منهما على فهم الآخر، وتحديد أفضل طرق السير فيه، وفي فهمه، والوصول إلى دقائقه وحكمه هي الجمع بين القراءتين، فتبارك الله (جل شأنه) الذي استأثر بالآيات وقدر مواقعها، وأزمانها، وجعلها من وسائل هدايته.

من هنا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمل أن يكون لا النبي الخاتم فقط، ولكن رسول الله وخاتم النبيين، فهو رسول الله إلى البشريَّة كافَّة، ورحمة للإنسانيَّة كلها، فصلى الله عليه في الأولين، وصلى عليه في الآخرين، وتتابعت صلواته عليه إلى يوم الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *