أ.د. طه جابر العلواني
اقترح علينا بعض طلابنا وأصدقائنا أن نعين من يرغب من خطباء الجمعة –في العالم الإسلامي الفسيح- بخطب مقترحة من شاء استفاد بها ومن وجد خيرًا منها فليستفتح بالذي هو خير. وهذه السلسلة تنبثق من رؤيتنا للمسجد ورسالته، فالمساجد لله وهي بيوته التي: ﴿… أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ (النور:36). فهي تعد للتسبيح وذكر الله وإفراده وحده بالذكر والعبوديَّة: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ (الجن:18)، ورسالة المسجد تعتبر أخطر الرسالات فالمسجد مؤسسة رساليَّة تربويَّة تعليميَّة فهي أكبر من رسالة المدرسة والجامعة؛ لأنَّها تخاطب سائر أبناء المجتمع بكل أصنافهم ومستوياتهم، وتعمل على إثراء معارفهم الدينيَّة وتكوين ثقافة دينيَّة سليمة قائمة على كتاب الله -جل شأنه- مهتدية بهدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مستفيدة مما ورد في سنته -صلى الله عليه وآله وسلم، لا ينبغي أن يذكر فيه شئ يخرج عن رسالتها تلك أو يتجاوزها، لا يجوز فيها الصخب و السخط ولا اللغط ولا الفحش ولا السباب، ولا يليق بمن يعلون منابرها أن ينحازوا إلى أي فصيل من فصائل المصلين، فإمام الجمع وخطيبها ومدرس المسجد وخطيبه إذ لم يكن أبًا للجميع فينبغي ألا يقل دوره عن دور أخ كبير ينشر المحبة ويجمع الكلمة ويدعو الله على بصيرة، لا يتحزب ولا ينحاز، كل المؤمنين أبناؤه وإخوانه، وكل رواد المسجد أهل له وأسرة لا يميِّز أيًّا منهم عن الآخر ولا ينحاز لأي منهم على سواه؛ لأنَّ المسجد يعتبر أهم مؤسَّسة من مؤسَّسات الأمَّة، إليه يلجأ الخائفون وبه يحتمي القلقون وفي رحابه تطمئن قلوبهم لذكر الله: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد:28)، وبين سواريه تشد روابط الإخاء وعرى التعاون بين المؤمنين على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
إنَّ من يرتاد المساجد لصلاة الجمعة يستمع في كل عام إلى خمسين خطبة وذلك يعد أطول مقرر دراسي في مستوى الجامعات، فلابد أن يخرج المصلون من تحت المنبر وقد استفادوا علمًا وحكمًة وفهمًا أعمق لكتاب الله، وفقهًا أكثر وأكبر في دين الله وفي شريعته وأداب الإسلام وسلوكيَّات المسلمين وأخلاقهم .
ومن المؤسف أنَّ كثيرًا من الناس قد غفلوا عن رسالة المسجد وبعدوا به عنها؛ فاختلفت كلمتهم وكثر السخط و اللّغط في المساجد، وزاد الإختلاف والجدل ولم يعد المسجد في كثير من المناطق واحة يتفيأ جميع المؤمنين ظلالها ويستريح فيها المتعبون نفسيًا وكذلك الذين أرهقتهم الانحرافات والذنوب ليستغفروا الله -جل شأنه- ويعيدوا إلي نفوسهم صفائها وإلى قلوبهم نقائها وإلي عقولهم فعاليَّتها وإلي أبصارهم حدتها!.
وهذه المحاولة منَّا استجابة متواضعة ومحاولة نرجو أن يكون فيها بعض النفع والفائدة لمن يحبون أن يستمعوا القول ويتبعوا أحسنه. ونحن نرجو من كل من يتابع هذه السلسلة ألا يبخل علينا بمقترحاته الإيجابيَّة، وما يمكن أن يجعلها أكثر فائدة وأحسن تأثيرًا، وسنحاول أن نقدم هذه الحلقات في سلسلة قد تبلغ خمسين حلقة تنشر على موقعنا كل يوم أربعاء؛ ليتمكن الراغبون من الاستفادة بها في خطبهم وقد رأينا أن نعد الحلقة الأولى في التعصب آفاته وأضراره، فمن وجد خيرًا فلا يحرمنا من صالح دعائه، ومن وجد غير ذلك فليستغفر الله لنا ولنفسه والله الموفق.