أ.د/ طه جابر العلواني.
السلام عليكم أيُّها الحكيم…
رد الحكيم: وعليك السلام يا بني
قلت: قد وعدتني في لقائنا السابق أن تكمل لي التفصيل في أمر المرض الثاني الذي فتك بأمَّتنا، وكيفيَّة العلاج منه، فهلا زدتني من علمك؟
قال الحكيم: اسمع يا بني، أمَّا المرض الثاني فهو: طبيعة القطيع.
اعلم أنَّ الحيوانات، والطيور أمم أمثالنا سخرها الله تعالى للوفاء بحاجاتنا في هذه الحياة الدنيا، بعضها يعيش في شكل قطعان لا تستطيع أن تنفصل، أو تبتعد عن أجناسها، وبعضها يمكن أن يعيش وحده يتصل بالمجموعة التي ينتمي إليها وينفصل عنها بحسب أوضاعه، وإحتياجاته. والذي نريده بطبيعة القطيع هنا هي تلك البهائم السارحة التي ذُللت لنا، بقطع النظر عن أحجامها؛ لتكون حياتها أسهل، وأيسر ونستعين بها على مهامنا؛ فالأغنام، وقطعان الماشية والإبل والبقر والجاموس، وماإليها ذلّلت حتى صار من الممكن لإنسان واحد أن يقود الآلاف منها اذا تمتع بالطاقة الكافية، وقد يستعين على السيطرة عليها وهو يقتادها، إلى الماء، أو الكلأ مستعينا بثلاث حمار، وكلب، وعصا.
أمَّا الحمار فيركبه هو، وأمَّا الكلب فلحراسة القطيع، والسيطرة عليه، فاذا غادر القطيع أي فرد منه فسرعان ما يعيده الكلب ليبقى ضمنه. وأبرز ما يُلاحظ هذا في الإبل، والغنم. فقطعان الإبل مهما كان عددها يستطيع راعٍ واحد أن يسيطر عليها، فإذا أراد أن تبرك فيكفيه أن يقوم بإبراك أولهم فيبرك الباقي من ورائه، وهكذا إذا أراد انهاضها، والسير بها.
فاستُعير ذلك للبشر الذين يسودهم مستبد ينقادون له، فيُخضع هو بعضَهم فقط؛ فيَخضع الآخرون بالعقل الجمعي، كما يخضع القطيع بالعقل الغريزي؛ فيشرِّق بهم، ويغرِّب دون اعتراض منهم، ودون دراية بأسباب ذلك، ولماذا يفعلون هذا.
هذه الطبيعة تشير إلى استقالة الشعوب من مهام التفكير، وتدمير إرادتها، وتحطيم معنوياتها، وقدرتها على تكوين الدواعي والدوافع إذ لا يبقى من دوافعها إلا دافع الاستجابة لقائد القطيع، وما مزرعة الحيوان عنا ببعيد.
قلت: إذن أيٌّها الحكيم، فما علاجها؟
قال الحكيم: هذه الأمراض الشديدة، المزمنة والمستعصية، وما على شاكلتها من أمراض القلوب، والنفوس لا يصلحها إلا خالقها، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿يونس:57﴾
وقال جل شأنه ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿فصلت:44﴾.
فمن أعلم بالخلق من خالقهم؟ فعلينا أن نعيد بناءهم نفسيًّا وعقليًّا بالقرآن المجيد، نتلو عليهم آياته، ونعلمهم حكمته ونزكيهم به.
فقد أنزل عليهم كتابًا يخرجهم به من الظلمات إلى النور بإذن ربنا، وإذا لم يكفهم القرآن للخروج من آثار هذا المرض فلا شيء يمكن أن يغني عنهم بعده!!
قلت: جزاك الله خيرًا أيُّها الشيخ الحكيم، هلا تعلمني عن المرض الثالث؟
قال الحكيم: إذن فانتظر حتى أحدث لك منها ذكرا…