Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الطائفية أخطر ألغام المنطقة (ج2)القادة السياسيون ودورهم في منع الفتن الطائفية

أ.د.طه جابر العلواني

القادة السياسيون ودورهم في منع الفتن الطائفية:

يظن بعض القادة وبعض والمنخرطين في النشاط السياسي أن الدعاوي الطائفية هي أيسر السبل التي تجعلهم قادرين على الحصول على العصبية (التي تمنحهم قاعدة شعبية يستندون إليها في نشاطهم السياسي، وتهيئ لهم الوسائل التي يصلون بها إلى السلطة)، فإذا قال سياسيٌّ ما إنه: “شيعي” مثلًا في وسط مختلط الطوائف، أو إنه يسعى إلى تشكيل أو تدعيم بيت شيعي؛ فهو يتملق جماهير ينتظر منها أن تلتف حوله وتؤيدوه وتصبح له بمثابة العصبية والعشيرة، وقد يغرو نجاحه الأوّلي وهو يرى ذلك الاصطفاف حوله فيتمادى، وقد يحرض على الأطراف الأخرى ويقنع جماهيره بأن الأطراف الأخرى لا تريد تحقيق عدل ولا تطالب بنصفه وإنما هي تحسده ومن معه وتحقد عليه لأسباب تاريخية ومعاصرة،  ويشعر الآخرون بالظلم وقد يختل توازنهم وهم يطالبون برفع الظلم عنهم فينتقدون الآخريين وتُنسى آنذاك قضية الظلم والعدل والخير والشر والحق والباطل ويحول السياسي اللعوب الجماهير من سائر  الفرق إلى نوع من التصارع على الأسماء والألقاب إلى أن يبلغ بهم إلى مستوى الأزمة والاختناق. ثم يبدأ يمارس سلوكًا انتهازيًّا، فبالنسبة للشيعي قد أصبح جزءًا من قاعدته، ويتملق السني ببعض الوعود والمكاسب وآنذاك يحصل على حالة الفرح بما لديه ويقول في نفسه إنما أوتيته على علم عندي، ويغرو نجاحه الشكلي هذا ليقول: “إنما أوتيته على علم عندي”، ولا يمضي وقت طويل إلا ويدرك الجميع أنه لم يكن في يوم ما شيعيًّا حقًّا ولا سنيًّا ولا إسلاميًّا ولا كفاريًّا، بل هو مثل “لقلق الكنيسة”! أتدرون ما لقلق الكنيسة؟ طائر اللقلق معروف يأتي في مثل هذا الموسم في هذه السنة ويبني لنفسه أعشاش في أعلى أماكن المدن أو القرى ليبيض فيها. تقول القصة: “إن لقلقًا من  هؤلاء اعتاد أن يذهب إلى كنيسة مجاورة لعشه فيقف على ناقوسها ليتبرز هناك، فضاق خوري الكنيسة به ذرعًا وقال في نفسه لابد من معرفة دين هذا اللقلق؛ فإنه لا يمكن أن يكون مسيحيًّا فلو كان مسيحيًّا لاحترم الكنيسة لا يتبرز فوق ناقوسها، سأضع له لحمًا من الخنزير وكأسًا من الخمر، فإن امتنع عنهما فذلك يعني أنه مسلم ولا غرابة أن يفعل هذا الفعل، لكنه إن أكل الخنزير وشرب الخمر فذلك يعني أنه ليس بمسلم ولا مسيحي فعليّ أن أبحث ما إذا كان من أتباع الديانة اليهودية أو غيرها، فوضع لللقلق لحم الخنزير وكأس الخمر فما كان منه إلا أن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر وغنّى ما شاء له من الغناء ثم عملها على الناقوس وطار، وفي اليوم الثالث وضع له ما حرم على اليهود من شحوم البقر وحواياها والتهمها كلها وشرب عليها من الماء ما تيسر وعمل عملته وطار. فتحير الخوري وقال له قل لي أي دين تدين به؟! فقد اختبرتك فلم أجدك مسيحيًّا ولا مسلمًا ولا يهوديًا، ثم قال الخوري يبدو أنه يدين بديانة تخصه هو، وهي ديانة اللقلق!”. والسياسيون الطائفيون الذين يعيشون على زراعة الفتن بين مواطنيهم وإشعال نيران العداوة والبغضاء هم لقائق مثل هذا اللقلق لا تستطيع أن تنسبهم إلى دين ولا إلى مذهب ولا إلى طائفة، إنهم ينسبون إلى أنفسهم ومصالحهم فقط فهي كل ما يهمهم وكل ما يسعون إلى الوصول إليه أو الحصول عليه. فاحذروا هؤلاء، وعلى هؤلاء الانتهازيين ممن يلقبون بالقادة أو السياسيين أن يدركوا أن هذا السلاح الطائفي هو سلاح ذو حدين إذا كان يستطيع أن يطعن به خصمه فإن خصمه إذا قويَ استطاع أن يطعنه به كما هو،  ويفترض بهؤلاء السياسيين أن يدركوا أن هذه الأسلحة التي تحمل حدين أسلحة قاتلة لحملتها وهي خطر عليهم بمثل الخطورة على خصومهم، فليتقوا الله وليقولوا قولًا سديدًا.

 والشعوب الواعية تستطيع أن تعرف هذا النوع من السياسيين بسيماهم، وعليها أن تبادر إلى ممارسة عزلهم عن سائر وسائل التأثير في الجماهير وتحول بينهم وبين قيادتها والتلاعب بمشاعرها وعواطفها وطوائفهم التي يزعمون والتي يريدون خدمتها وإعلاء شأنها، و عليها أن تدرك أن بذلك يأصلون للعداوة بينها وبين فئات الشعوب الأخرى، والأيام دول، وإذا كانت هذه الطائفة اليوم في موقع القوة، فإن الدنيا مثل الدولاب الدوار لا تقف عند حال ولا عند قوم، فقد تكون القوة والمنعة والنفوذ غدًا من نصيب الطائفة الأخرى فيتكرر المشهد وتضيع المصالح وتفقد الشعوب أمنها واستقرارها. فعلى تلك الطوائف أن تدرك هذا الخطر، وتتذكر قول رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- : «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا وقد عرف الناس نصرة المظلوم ولكنهم سألوا النبي: فكيف أنصره ظالمًا؟! قال: “تمنعه عن ظلمه؛ فإن ذلك نصره»، فبدلًا من لغة التحريض والإغراء بالعداوة والبغضاء لابد من منع هؤلاء من استخدام هذا السلاح الموبوء المدمر سلاح الطائفية وبذلك ننتصر.

  وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *