أ./ طه جابر العلوانى.
شَخَّص أحد الحكماء حالة أمَّتنا اليوم في مختلف أقاليمها بأنَّها حالة متردية، تكاد تستدر عطف العدو، وشفقة اللئيم؛ لما بلغته من سوء. وقد لخَّص ذلك الحكيم حالة الأمَّة العقليَّة، والنفسيَّة، والسلوكيَّة بأنَّها أمَّة عاجزة خائرة تتردى في دركات الجهل والمرض والتخلُّف بعد أن كانت (خير أمَّة) أخرجت للناس ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ ؛ قد آلت ــ بطول الأمد وقسوة القلوب ــ إلى أن تصبح أمَّة تحمل ــ على سبيل الإجمال ــ ثلاثة أمراض عضال: (عقليَّة العوام)، و(نفسيَّة العبيد)، و(طبيعة القطيع).
ناقشت ذلك الحكيم في هذه المقولة، وأعربت له عن قسوتها، وترددي الشديد في قبولها كما هي…
فقال: أي بني، أنا لم أخترع هذا التوصيف، ولست بمبتكر له؛ فالمعتزلة كانوا منذ أن بدأ الجاحظ (ت 255 هـ – 868م ) الكتابة في (البيان والتبيين)، و(الحيوان)، والكتب الأخرى، وكثير من المعتزلة يصفون الأمَّة من مخالفيهم بأنَّهم يحملون (عقليَّة عوام)، وربما وصفوهم بالحشويَّة؛ ليبينوا أنَّهم لا ينتفعون بما يتعلمون؛ لأنَّه يتحول في عقولهم مثل الليف الذي تحشى به الوسائد. فهي عقليَّة ضعيفة الفكر رديئة التحليل بدائيَّة لا تكاد تعتني بغذائها، وتنمية مهاراتها، وقواها، واستخدامها الاستخدام المثمر.
أمَّا (نفسية العبيد): فللجاحظ كتابات كثيرة في ذلك يبيِّن فيها صفات العبيد، وخصائصهم في السلم، والحرب، ومنها أنَّ العبد إذا قاتل عبدًا مثله، وكل منهم يحمل نفسيَّة عبد فلن يتوقف القتال بينهما حتى يفني أحدهما الآخر، أو يتدخل سيد بينهما، ويأمرهما بالتوقف عن القتال. وكلنا نلحظ ذلك في مجتمعنا من خلال الإعلام، والأخبار بل وفي شوارعنا.
أمَّا (طبيعة القطيع) في نحو الغنم، والإبل: فمن المعروف عند أهل الوبر أنَّ القطيع من الغنم، أو من الإبل يكفي لقيادته مهما كثر عدده صبي، وحمار، وكلب؛ فالصبي صانع القرار للقطيع حين يقوده إلى مرعى، أو غيره فهو من يقرر للقطيع متى يسير، ومتى يقف، ومتى يذهب إلى الماء، ومتى يذهب إلى الكلأ، وكيف. أمَّا الحمار فليستعين به الراعي ليركبه عندما يتعب، وأمَّا الكلب فيطلقه الراعي ليجمع الأغنام، ويسوقها إلى موقع التجمع. لكن هناك حيوانات أخرى كالثيران قد يحتاج كل واحد منها إلى راع مستقل، وإجراءآت خاصَّة به.
قلت لذلك للحكيم: هلَّا فصلت جزاك الله خيرًا في تفسير وبيان ثلاثيَّة المرض تلك، علَّني استوعبها، وهلَّا أرشدتني إلى ما يجنبني الوقوع فيها، ومساعدة الأمَّة على الخروج منها؟
قال إذن فانتظر حتى أحدث لك منها ذكرا…