Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

التبذير

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئآت أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنقذنا الله به من الضلالة، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

ثم أمَّا بعد:

فإنَّ الله (تبارك وتعالى) قد قدَّر في الأرض أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (فصلت:10)، فما من دابة في الأرض إلا وقدَّر الله لها رزقها، وجعل هذه الأرض قادرة على أن تمدها بما تحتاج إليه حياتها كلها. وجعل للحياة دورة، بحيث لا يضيع شيء فيها، ولا يقصر عن الاستجابة لاحتياجات أهلها من أي نوع من أنواع الرزق على ظهرها أو في باطنها، وأوكل للإنسان وضع الخطط والتدابير اللازمة لاستثمار هذه الأرض وما عليها وما في بواطنها، وقال جل شأنه: ﴿.. فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك:15)، فما على الإنسان إلَّا أن يمشي في مناكبها، يحيي مواتها، ويعمر خرابها، ويستثمر كل ما فيها؛ ليحصل منها على ما يريد، حتى تنتهي هذه الحياة، وما كان ربك نسيا. وإذا كان الله (جل شأنه) قد أوكل للإنسان مهمة العمران واستثمار خيرات الأرض ظاهرها وباطنها، فإنَّما فعل ذلك (جل شأنه)؛ ﴿.. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ..(هود:7)، فمن الذي سيلتزم التزامًا تامًا كما أمر الله (جل شأنه) بأوامره ويحسن التصرُّف في موارد الأرض لينعم النوع البشري كله بخيراتها؟

 والتفاوت في القدرات الإنسانيَّة والطاقات البشريَّة من قوة وضعف وما إلى ذلك نبه الله (جل شأنه) أنبياءه ورسله وفطر الإنسان على نوع من الهداية ليقوم بالتدبير والتخطيط؛ لكي يصل كل أبناء آدم وحواء إلى احتياجاتهم. وعرف العرب قديمًا ما سمي ب”علم التدبير” أي: التخطيط لجعل الموارد كافية؛ وليتمكن الجميع من تلبية احتياجاتهم، من طيبات هذه الأرض وخيراتها، لكن البشر ليسوا سواء في إيمانهم بالله (جل شأنه)، وتقواهم له، وابتغاء ما عنده، فكثيرًا ما يبغي بعضهم على بعض، فيستولي الأقوياء على ما يحتاجون وعلى ما لا يحتاجون، فيأكلون ما يستحقون وما لا يستحقون، ويحتكرون لأنفسهم مما يحتاجه الآخرون الكثير مما لا يحتاجه أولئك الأقوياء، فتتكون لديهم فوائض يعيدون استثمارها، وتدويرها فإذا خلت ضمائرهم من حب الله وخشيته وتقواه وطاعته فستتراكم بين أيديهم الثروات، التي هي في حقيقتها حصص من هم أضعف ناصرًا وأقل عددًا من أبناء البشر؛ فتجد فقرًا مدقعًا لدى أناس، وغنى مبطرًا لدى آخرين، وذلك ما لا يرضاه الله (جل شأنه) ولا يقبله.

 فالذين مَنَّ الله عليهم بالذكاء والطاقة والقدرة عليهم أن يشكروا نعمة الله، ويتقوا الله في عباده، ويؤدوا حق الله فيما ائتمنهم عليه وجعلهم مستخلفين فيه، فلا ينبغي لهم أن يتعاملوا بالربا ليربوا في أموال الناس، ولا أن يمنعوا الزكاة؛ ليحولوا دون تفتيت رأس المال وفائض القيمة، فيطعموا إخوانهم في الإنسانيَّة من ضعفاء الناس، والذين لم يؤتوا ما آتاهم الله من ذكاء وطاقات وقدرات؛ فأعطاهم ذلك الفرصة لأن يكوِّنوا ثرواتهم ويكدِّسوا الأموال في خزائنهم ويتصرفوا فيها بما يرضي الله وبما لا يرضيه، وبما هو مقبول وما هو مرفوض من الشارع الحكيم. وجاء في الأثر: (ما جاع فقير إلا بتخمة غني)، أي يكون ذلك الغني قد بغى على الفقير، فكأنَّه أخذ ما كان ينبغي أن يتركه لذلك الفقير، أو يساعده على الوصول إليه.

        إنَّ الغنى يبطر أحيانًا، فيتمخض عن رغبات لدى بعض الأغنياء هي رغبات شريرة في حقيقتها، تقوم على الكنز والاحتكار والربا والشح والبخل، ويقع أحيانًا مثل هؤلاء بالإسراف والتبذير؛ فينفق ماله لا في ضروريَّاته وحدها أو حاجيَّات أو كماليَّات معقولة مرغوبة، بل يبدد ويضِّيع المال على ما لا يضر ولا ينفع، أو يضر ولا ينفع؛ ظنًّا منه أنَّه حر في التصرف، وله أن يفعل في أمواله ما يشاء، ولو أدرك أنَّه ليس بمالك حقيقي بل هو مستخلف من المالك الوحيد على سبيل الحقيقة ألا وهو الله (جل شأنه)؛ لما أسرف ولما بذر، ولعلم أنَّه مسئول أمام الله (جل شأنه) عن كل قرش أنفقه في غير وجهه ومحاسب على ذلك ومجازى.

 فترى أحدهم إذا أراد أن يقيم مناسبة لزفاف أو أيَّة مناسبة أخرى أسرف وبذخ، وأنفق الملايين في أمر كان يكفيه فيه التوسط، والاقتصاد، نرى في كثير من الأحيان أنَّ بعض المتجبرين قد يلقي طعاما يكفي مئآت من البشر، يتخلف عن حفل أو نحوه في أماكن القمامة، فلا هو استفاد به ولا قدمه لسواه ممن يحتاجه، ولا أطعمه لإنسان ولا لحيوان؛ لمجرد أن يقال عنه: إنَّ حفل زفاف ولده أو ابنته قد أقيم في الفندق الفلاني وتكلف كذا. بل بلغ السفه بقوم أنَّهم قد يقيمون حفلًا لما يسمونه تزويجًا لحيواناتهم الأليفة من كلاب وقطط، وقد ينفقون ملايين أو آلافًا على مثل تلك الحفلات السفيهة التي ما كان لعاقل يؤمن بالله ورسوله أن يسقط فيها أو يمارسها.

وكلٌ من الناس يسرف أحيانًا بشكل نسبي، يتناسب ومستواه، وكل ذلك إسراف منهي عنه، فتبديد الجنيه دون عذر كتبديد الألف والمليون وما جاوز ذلك؛ لأنَّ الأمر يتعلق بالسلوك، وبالنظر إلى النعمة، ونظرة الإنسان إليها، وكذلك قد ينفق الناس في ألبستهم أو زخرفة بيوتهم ما لا ينبغي لهم أن ينفقوه بتلك الطرق المسرفة، وكذلك الحال بالنسبة لمراكبهم الفارهة وسياراتهم وما إليها، فالإسراف قد يكون في أي شيء من هذه الأشياء في الأكل وفي الشرب وفي الملبس وفي المسكن وفي الطاقة، في المناسبات وفي غيرها.

        وسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يربي أصحابه على عدم الإسراف، لا في ماء العبادة كماء الوضوء والاغتسال ولا في غيره، فكان يكفيه للوضوء حفنة من الماء، وقد يغتسل بقدر من الماء يسير لا يتجاوز في مقاييسنا المعاصرة لترًا أو أكثر بقليل، “مرَّ النَّبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بسَعدٍ وَهوَ يتوضَّأُ، فقالَ: ما هذا السَّرَفُ يا سَعدُ؟ قالَ: أفي الوضوءِ سَرفٌ قالَ: نعَم، وإن كنتَ على نَهْرٍ جارٍ”[1]؛ لأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أدبه ربه وأحسن تأديبه وأنزل عليه: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (الإسراء:27)، كان يريد أن يحمي كل فرد من أمَّته من التحوُّل إلى شيطان رجيم، بالإسراف، والتبذير، فلم يكن يسرف في أي شيء (صلى الله عليه وآله وسلم)، بما في ذلك العبادة، فحين علم أنَّ عبد الله بن عمرو يصوم الدهر كله نهاه عن ذلك، فعن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم): “صم منَ الشَّهرِ يومًا ولكَ أجرُ ما بقِي قلتُ إنِّي أطيقُ أكثرَ من ذلكَ قالَ فصم يومينِ ولكَ أجرُ ما بقِي قلتُ إنِّي أطيقُ أكثرَ من ذلكَ قالَ فصم ثلاثةَ أيَّامٍ ولكَ أجرُ ما بقِي قلتُ إنِّي أطيقُ أكثرَ من ذلكَ قالَ صم أربعةَ أيَّامٍ ولكَ أجرُ ما بقي قلتُ إنِّي أطيقُ أكثرَ من ذلكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أفضلُ الصَّومِ صومُ داودَ كانَ يصومُ يومًا ويفطِرُ يومًا”[2].

لكن الحضارة المعاصرة تطلق على نفسها حضارة الوفرة والكثرة، أسرفت في استعمال كل شيء، وزينت لها شياطين الإنس والجن ذلك الإسراف، بحيث أخذت تفخر بذلك، وترى الإنسان لا يستحق وصف الإنسان المتحضر إذا لم يستهلك من الماء يوميَّا ما يعدل ستة امتار مكعبة، وذلك لغسلة ورفاهيَّته، وكذلك أسرفت في الأطعمة والمآكل والمشارب حتى قال بعض المتابعين للشأن الحضاري: (لقد استهلك إنسان القرن العشرين من مخزون الأرض ما لم تستهلكه البشريَّة منذ أن وجدت على هذه الأرض). فقرن واحد يستهلك أهله أكثر مما استهلكت البشريَّة في عمرها المديد الذي لا يعلمه على حقيقته إلا الله (تعالى).

إنَّ مصر بلد محدود المساحة في أرضه، وفيها شعب نام يزيد في السنة الواحدة ما يقرب من مليون نسمة، والولادات بفضل الله (جل شأنه) أكثر بكثير من الوفيات، والمولود لا يحتاج إلى طعام وشراب ورضاعة ولبس وحضانة فقط بل إنَّه بحاجة أيضًا إلى تعليم ومواصلات وخدمات كثيرة، والبنى التحتيَّة للبلاد لابد من تطويرها باستمرار، وفقًا لزيادة السكان، وموارد البلاد لابد من إنمائها وفقًا للزيادات السكَّانيَّة المتوقعة، لكنَّه إذا كانت الأرض الزراعيَّة محدودة والمياه محدودة كذلك، والإمكانات الماليَّة للاستثمار وبناء اقتصاد قوي محدودة، فذلك يعني أنَّنا نحتاج إلى نظام صارم نلزم أنفسنا جميعًا به؛ لتجاوز حالة الإسراف والتبذير. فإذا كان الله (جل شأنه) قد جعل المبذرين إخوانًا للشياطين، فما بالك بمن يبذر في بلد مثل بلدنا هذه، فيه نسبة فقر عالية تكاد تبلغ نصف عدد السكان، واقتصاده في حاجة إلى أموال ضخمة وجهود مضاعفة؛ ليتخلص من الديون، ويبدأ دورة اقتصاديَّة جديدة، تجعل اقتصاده اقتصادًا متينًا، قادرًا على الاستجابة لسائر التحديات، وما أكثرها.

 فبالإضافة إلى التحدي الذي ذكرناه في زيادة السكان، هناك وسائل البنى التحتيَّة التي يعود بعضها إلى عقود متطاولة من السنين، بحيث تجاوز عمر الكثير منها العمر الافتراضي، من جسور، وطرق، ومواصلات، وقناطر، وشبكات صرف صحي، وشبكات مياه، ومولِّدات كهرباء وغير ذلك، هنا لابد لنا من أن نبني وعيًا يجعل الإسراف في أي شيء أمرًا لا يجترئ عليه أحد منا، ولا يسمح لنفسه به بأي شكل من الأشكال، ما لم نفعل ذلك تكن في الأرض فتنة وفساد كبير. من هنا نجد أنفسنا أمام فريضة محتمة، ألا وهي فريضة الاقتصاد في كل شيء، وعدم التبديد في أي شأن من الشئون، والاستفادة من كل ما وهبنا الله في هذه الأرض، بأقصى قدرة ممكنة، لكي نواجه التحديات التي أمامنا.

        إنَّ كثيرًا من الناس يرون أنَّه لابد من إعادة بناء الأمَّة الواحدة، وأنَّ أي قطر بمفرده في هذه المنطقة لن يكون قادرًا على مواجهة التحديات الاقتصاديَّة الكثيرة، وأنَّ العصر لا يسمح بوجود دول صغيرة لأنَّها لن تستطيع أن توجد تكاملًا اقتصاديًّا واكتفاء ذاتيًّا فيما بينها، وأنَّ العالم المتقدم أقام تجمعات كبرى لكي يواجه مثل هذه التحديات، فهناك الولايات المتحدة الأمريكيَّة التي جمعت بين ما يزيد عن خمسين ولاية، كل منها تجاوزت في إمكاناتها جميع دول منطقتنا؛ لأنَّها تعرف أنَّها بدون ذلك التكامل لن تستطيع أن تلبي احتياجات مواطنيها، وكذلك الحال بالنسبة للجماعة الأوروبيَّة، التي بدأت طريق الألف ميل باتجاه التوحُّد، وتجاوز الإقليميَّة؛ لتكون قادرة على مواجهة تحديات العصر، والمسلمون أمَّة واحدة، لو اجتمعت كلمتهم، ووحدوا صفوفهم، والتقوا على المشتركات فيما بينهم وما أكثرها؛ لاستطاعوا مواجهة التحديات بشكل أفضل وأتم، لكن الميسور لا يسقط بالمعسور، وإلى أن تأتي الظروف المناسبة لهذا النوع من التوجه لابد لكل إقليم أو قطر من هذه الأقاليم أو الأقطار أن يبذل قصارى الجهد لتلبية حاجات مواطنيه، وتوفير الأمن والرخاء فيطعم الناس من جوع، ويؤمنهم من الخوف.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

ثم أمَّا بعد:

إنَّنا في حاجة إلى بناء الوعي بضرورة الاقتصاد، والقرآن المجيد قدم لنا قبسات من نور، يمكن أن تشكِّل دليلًا في بناء الوعي المطلوب، هذا الدليل في آيات الكتاب الكريم يحتاج إلى علماء في مجالات التربية والتعليم وعلم النفس والاجتماع يتولون تقريبها إلى أذهان الناشئة، وتربية أبنائنا وأطفالنا من رياض الأطفال حتى الجامعات على ذلك النوع من الوعي بضرورة الاقتصاد في كل شيء، وعدم التبذير.

 وهناك فرق بين الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير وبين البخل والشح، يقتضي أن نضع خطًا فاصلاً بين الاثنين، ويفترض أن هذا النوع من الوعي تتضافر عليه وسائل الإعلام والتعليم والمسجد ودور العبادة، لتفعيله لدى الناس من مختلف الأعمار، والتنبه إلى أنَّ الإسراف والتبذير وسائر الخصال الرديئة قد تنشرها صورة لحفل يقام في أيَّة مناسبة لتكريم أو احتفاء أو ما شاكل ذلك، وقد تتأثر الأجيال الطالعة في مختلف المستويات العمريَّة بتصرف فنان أو فنانة أو مسئول في أي مستوى من مستويات المسئوليَّة، بحيث يصبح الإسراف والتبذير مطمحًا لأولئك الناشئة ليصنفوا أنفسهم من خلال ذلك بين علية القوم تشبها بأولئك؛ ولذلك فحين نقرر أن نبني لأجيالنا ثقافة زهد وتقشف وتجاوز للإسراف والتبذير لابد أن نتنبه إلى التغيير النفسي، والله (جل شأنه) أخبرنا بأنَّه: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .. (الرعد:11)، ولابد من التغيير الفكري والعقلي والذوقي أيضًا لكي تحدث النقلة الثقافيَّة، ويترتب عليه ذلك الوعي الذي نتمناه، فماذا لو اعتبرنا مثلًا سنة من السنين سنة للزهد والتقشف، والتخلُّص من الإسراف والتبذير، ونكرس كل ما لدينا من إمكانات لبناء الوعي والتثقيف وبناء رأي عام يتجه نحو الاقتصاد، وتجاوز كل ما يتنافى مع الحكمة في الأكل والشرب والبناء والمواصلات والأخذ والعطاء، ثم نضع المقاييس الدقيقة لقياس ذلك الوعي في كل شهرين، أو ثلاثة، فإذا ما انتهى العام نطمئن إلى أنَّ الوعي قد وجد، وأنَّ الهدف قد تحقق.

 وفي عام آخر يختار موضوع ثان نحو مكافحة المخدرات والتدخين وما إليها، فيعمل على التوعية بما ينفقه أبناء البلاد على الدخان، وعلى المخدرات كل عام، ونبيِّن للناس خطورة ذلك على الصحة، وعلى البيئة، والعائد الذي يعود عليهم لو توقفوا عن ذلك، أو امتنعوا عنه، وبذلك سوف تنخفض نسبة الفقر في البلاد والحاجة، وسوف تقل النفقات المخصصة لقضايا الصحة وما إلى ذلك، وسيكون هناك عائد على البىيئة إلى غير ذلك. بمثل هذه الطرق التي يجند الشعب فيها كل إمكاناته وكل وسائل الوعي والتثقيف يمكن إحداث نقلة نوعيَّة ثقافية ــ إن شاء الله تعالى ــ إذ لا يكفي أن نقول ذلك في خطبة جمعة ثم ننسى الموضوع، فلابد من تضافر الجميع، وتوظيف كل وسائل الإعلام، والتعليم، والتثقيف، وبناء الوعي، والرأي العام؛ لكي تأتي ببعض النتائج الإيجابيَّة ــ إن شاء الله تعالى.

نسأل الله (جل شأنه) أن يهيء لهذه الأمَّة أمر رشد، يعز به أهل طاعته، ويذل به أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى عن المنكر.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

[1] مسند أحمد، 23/12.

[2] صحيح النسائي، حديث رقم: 2402.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *