أ.د.طه جابر العلواني
إنَّ (القرآن المجيد) أنزله الله تعالى كتابًا هاديًا، ورحمة للعالمين؛ يهدى للتى هى أقوم، وهو تبيان لكل شىء، وهدى، ورحمة، وبشرى للمسلمين. قادر على إصلاح الأحوال الفرديَّة، والجماعيَّة، والعمرانيَّة. فالصلاح الفردي يقوم على: تهذيب الأنفس، وتطهير القلوب، وتزكيتها، وذلك لا يتم إلا بصحة الإيمان، وسلامة اليقين، وصلاح الاعتقاد؛ لأنَّ الإيمان مصدر النظر، والتفكير، وبناء الرؤية السليمة.
وصلاح القلوب يتم بممارسة العبادات الظاهرة، والباطنة؛ لتنقية الإنسان، وتزكيته، وتهيئته؛ ليكون عبدًا خالصًا لله (جلَّ شأنه). ويتمُّ صلاح المجتمع بصلاح أفراده، وأسرهِ، وضبط تصرفات الناس، وإقامة الحق، والعدل، والخير فيهم. وأمَّا العمران الإنسانى، وصلاح النوع البشرى فيقوم على إصلاح النظم، والعلاقات والروابط بين الأسرة البشريَّة؛ ولذلك فقد اشتمل القرآن الكريم على خمس قيم: هى”التوحيد، والتزكية، والعمران، والدعوة، والأمَّة”. وتندرج تحتها كل وسائل صلاح الإيمان، وتعليم الإيمان الصحيح النقى الخالص. وتهذيب الأخلاق، والسلوك فقد كان خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن.
وبه عدالة التشريع بين الناس، وقدرته على تحقيق مقاصد الشارع، ومقاصد المكلفين، وسياسة الأمَّة لجعلها دائمًا فى موضع الخيريَّة، والوسطيَّة، والشهادة على الناس، واجتماع كلمتها على حبل الله (عزَّ وجلَّ)، وعدم التفرُّق، والاتعاظ بقصص، وأخبار الأمم السابقة، واتخاذ العبر، والدروس من كل ما حدث لها، وتعليم الناس ما يصلح حياتهم فى الدنيا، والآخرة، وتقديم المواعظ، والبشائر، والإنذارات إلى الناس؛ ليرغبوا فيما عند الله، ويرهبوا عذابه فيتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم. وكل ذلك جاء بكتاب تحدى الخلق كافَّة أن يأتوا بمثله؛ ولذلك فإنَّ للقرآن المجيد علاقات بالعلم، والمعرفة، وكذلك سائر العلوم، ويمكن تقسيمها على أربع:
الأولى-: العلوم، والمعارف التى يحتاج إليها المتدبرون للقرآن الكريم، التَّالون له حق تلاوته، وهى علوم تضمنها القرآن مثل: أخبار الأمم السابقة، وقصصها مع أنبيائها، وإعطائها الهداية التى تسمح لها بتهذيب أخلاق أبنائها، وضبط ما يأخذون، وما يتركون بالفقة، والتشريع، والأمر، والنهى.
والثانية-: علوم يستفيد منها الذين يتلون كتاب الله حيث توسع آفاق أذهانهم، وتساعدهم على الوصول إلى كثير من الحقائق مثل: علوم الطبيعيَّات، والحكمة، وخواص المخلوقات، وما إلى ذلك.
والثالثة-: علوم أشار القرآن إليها دون استغراق فى تفاصيلها؛ ليتخذها مداخل للفهم، والتدبر، والاستنباط، والتفكير الإبداعي المنبثق عن القرآن المجيد مثل: علوم الجبال، وطبقات الأرض وما تشتمل عليه، والكواكب، وخواصها.
والرابعة-: علوم جرت الإشارة إليها على سبيل التحذير منها مثل: السحر، وما إليه.
ولذلك فإنَّ (القرآن الكريم) كتاب هداية؛ لأنَّ الهداية هى: المقصود الأول منه، ولكنَّه يتوسل إلى تلك الهداية بوسائل عديدة متنوعة منها العلوم، والمعارف دون أن نسقطها عليه، أو نقيضه بها .
والله أعلم .