Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

ما صحة حديث: “يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح”؟

أ.د/ طه جابر العلواني

لم يحرص بنو إسرائيل على شيء حرصهم على وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بضد ونقيض ما وصفه القرآن به، فحين يقول الله (جل شأنه): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107)، فبنو إسرائيل يصرون على أنَّه كان نقمة، وأنَّه نبي الملحمة لا “المرحمة”، وأنَّه جاء الناس بالسيف، وأمر بأن يقاتل الناس حتى يحملهم بالقوة على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنَّه يقتل أصحابه، ويتآمر، ويخدع، ويخادع، وأنَّه جاء الناس بأثقل شريعة، وأشدَّها عليهم، إلى غير ذلك.

واستطاعوا أن يدسوا كثيرًا من الأحاديث والآثار والأخبار، ويصنعوا لها من الأسانيد ما يُسَوِّقها بين الروايات، ويجعلها قادرة على الصمود أمام النقد اليسير؛ لتكون وسيلتهم لتكذيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونفي كونه المقصود بخاتم النبيين، فنزعوا عنه كل ما اتصف به من خلق عظيم، وأظهروا شخصيَّته بشخصيَّة المحارب الجبَّار، القاتل الذي قتل بني قريظة، وأباد سبعمائة رجل منهم، واستحيا نساءهم، بحيث رسموا له صورة في الذاكرة الغربيَّة المعاصرة خاصَّة بأنَّه هتلر الأول، الذي قلَّده هتلر الثاني في ألمانيا.

 والحل مع هذه الأحاديث والأخبار والآثار التي فبركوها لتحريف صورة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الرؤوف الرحيم ذي الخلق العظيم اللين مع أصحابه، الذي يستغفر للذين اتهموه في عرضه من المنافقين، ويصلي عليهم، حتى نهاه الله (تعالى) بكل قوة عن فعل ذلك، هذا النبي الرسول الرؤوف الرحيم ذي الخلق العظيم وصف بكل تلك الصفات، وسُوقت تلك الروايات، وحصلت على تزكية بالسبر، ووضعها من وضعها بين الصحيح، غير ناظر إلى القاعدة الذهبيَّة التي تبنَّاها نُقَّاد الحديث الكبار، وبقيَّة علماء الأمَّة من أنَّ الحديث مهما كان روايته ورواته إذا عارض كتاب الله، فإمَّا أن يوجد سبيل مقنع صحيح لتأويله تأويلًا يقضي على شبهة التعارض مع الكتاب الكريم، وإمَّا أن يهمل ولا يؤخذ به؛ لأنَّه عارض ما هو أقوى منه ألا وهو القرآن المجيد، القطعي الثبوت والدلالة، فينبغي لقرَّاء الحديث أن لا يغتروا بهذه الروايات ولا يشيعوها بين الناس، ويعتبروها من الأحاديث التي لا يؤخذ بها، لمعارضتها ومناقدتها لما دل عليه الكتاب الكريم.

 والرواية مهما قويت تبقى ظنيَّة في ثبوتها ظنيَّة في دلالتها، وأمَّا الكتاب فهو قطعي الثبوت دون أي شك، وأحيانًا يكون قطعي الدلالة في كثير من مثل هذه الأمور، كما أنَّ الأدلة القطعيَّة التي أثبتت رحمة ورأفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمؤمنين ولين جانبه للبشر كافَّة، حتى إنَّ ربه (جل شأنه) عاتبه في عبس، على لينه واهتمامه بزعماء قريش وقادتها، هذا الذي وصفه ربه بأنَّه على خلق عظيم، وصلى عليه، وأمر ملائكته والإنس والجن أن يصلوا عليه لا يمكن إلا أن يكون مثالًا للرأفة والرحمة، وهو الذي أطلق أعداءه من قريش الذين ساموه وأصحابه وآل بيته سوء العذاب لمدة عشرين عامًا أو تزيد وحين فتح مكة، وظن هؤلاء أنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سوف يقتص منهم لا محالة قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فاحذروا هذه الأحاديث، واعرفوا أنَّ من صححها فإنَّما صححها بطريق السبر، وهو طريق مطعون عند أهل الدراية، وما دامت جاءت على معارضة قرآن، فلابد من إهمالها، وتجاوزها. وفقكم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *