Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

رسالة إلى من يهمه الأمر

أ.د. طه العلواني

إلى من يهمه الأمر من زملائي وأصداقائي وأهلي وإخواني وتلامذتي وسائر المحبين:

 أولًا، أشكركم جميعًا على تعازيكم بوفاة أخي مهند -يرحمه الله-، وبما حدث لأخي مثنى من قبل -يرحمه الله كذلك-، ولقد خفف وقوفكم معي وتعازيكم وتعاطفكم من وقع المصاب الأليم، فجزاكم الله خيرًا عني. أما ما أشار البعض إليه من أن الشأن الخاص لا ينبغي أن يشغل العالِم والمفكّر عن الشأن العام أو ينسيه ما يجري للأمة، فأود أن أقول مَن أهمّ ما أخذ على الإمام أبي حامد الغزالي أنه لم يتناول غزوات التتر وما هيّأ إليها وما كان من بعض أسبابها في دراساته، وبقيَ على سجيته يتناول في كتبه المختلفة الموضوعات التي تتعلق بالتصوف وتزكية النفس وما إليها، ولم يكتب سطرًا واحدًا، فانتقده كثيرون على ذلك، لكنه لم يغيّر موقفه. وحين ننظر في موقفه وفي كتابه في “فصائح الباطنية” وكتاب “المنقذ من الضلال” وكتب كتابه الشهير “إحياء علوم الدين” كما كتب “تهافت الفلافسفة”… وغير ذلك من مؤلفاته النفيسة، وما تزال كتبه قيّمة، وتعد كتبه تلك في نظري من أهم ما كتبه أهل العلم في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وكأنه في كتبه تلك قام بتحليل التردي الفكري والنفسي الخطيرين اللذين أصيبت الأمة بهما في تلك المرحلة، وكأنه أراد أن يقول للأمة لقد وقعت الحروب الصليبية وأقام الصليبيون في قلب بلاد المسلمين ثم لحق بهم التتار فظلوا يهاجمون ثغور الأمة في هجمات متصلة حتى أتت بسقوط بغداد بعد وفاته بقرن ونصف، ولو أن الأمة استوعبت تلك الدراسات واعتنت بمعالجة الأمراض النفسية والجراحات التي أصابت النفسية المسلمة والاضطرابات العقلية التي غبشت الرؤيا لدى المسلمين نتيجة قسوة القلوب وطول الأمد وبعد عهدهم بكتاب ربهم وانحراف فهمهم له ولدور  رسول الله فيهم، لما وقعوا في كل تلك المصائب ولما سقطوا في تلك الانحرافات. فليس المطلوب من كل أهل الفكر والعلم أن ينشغلوا بقضية واحدة أو يرابطوا على ثغرة واحدة، فثغور الأمة كثيرة والإسلام -كما يقول الشاعر:

 إن اتجهت إلى الإسلامِ في بلدٍ

تجده كالطيرِ مقصوص جناحاه !

 فالإسلام ذاته بخير ولن يتأثر بشيء؛ إذ إنه وضعٌ إلهيّ تكفّل الله بحفظه، أمّا تدين الناس فهو محلّ الاضطراب والتساؤل. وما كل عالم من علماء الأمة يتقن الوقوف على كل ثغورها، بل إن ذلك جزءًا من أفكار التخلف؛ فالعالِم إنسان وكلٌّ ميسر لما خلق له. وقد انتقد عبد الله بن المبارك علماء عصره في القرن الثاني الهجري، وقال قصيدته المشهورة:

 يا عابدَ الحرمينِ لو أبصرتنا

لرأيت أنك في العبادة تلعبُ

 فعبد الله بن المبارك كان رجل متنوع  القدرات، فكان ينكر على الذين نذروا أنفسهم لتوزيع وقتهم في الحرمين الشريفين بين العبادة والتعليم، وكان يرى ذلك نقصًا أو عجزًا. ولكن نعود ونقول، كلٌّ ميسّر لما خُلق له، فلنأخذ من كل إنسان ما يتقنه ويحسنه، فهناك من يحسن التعليم وهناك من يحسن ويتقن العمل الاقتصادي، … إلى غير ذلك. وإذا كان ربّنا -جل شانه- قد قال: “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها” و”لا يكلّف الله نفسًا إلا ما أتاها”؛ أي إلا ما أعطاها من الطاقات والقدرات، فإن الناس أولى أن يتفهموا هذا وألا يكلف الناس ما لا يطيقون ولا يطالبوهم بما لا يستطيعون.

 ﴿ …رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (البقرة:286).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *