زكاة الفطر
الجزء الأول
الحلقة الثامنة والعشرون
أ. د. طه جابر العلواني
حرص القرآن الكريم ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- على تضامن المسلمين وتكافلهم، وجعلهم جميعًا مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له الأعضاء الأخرى بالسهر والحمى. وهذا الجسد الواحد يحتاج إلى ملاحظة دائمة مستمرة ترصد كل مَا يدخل إليه وما يخرج عنه، والفقر والحاجة من العوارض التي تعتري الأفراد والمجتمعات، وهناك مناسبات لا بد أن يختفي الفقر وآثاره فيها وأن يظهر المجتمع في تلك الفرص والمناسبات متناسقا منسجمًا مع بعضه، لا ترى فيه ذا غنًى مبتر وذا فقر متقع، بل كأنك تراهم فيخيل إليك أنّهم في مستوى واحد. وأهم يومين أو مناسبتين هما يوم عيد الفطر ويوم الأضحى؛ ففي الفطر شرع الله -جل شأنه- زكاة الفطر ليتمكن أبناء المجتمع كافّة من الاشتراك في مظهر العيد والابتهاج به وإظهار السرور فيه دون غفلة عن ذكر الله تعالى وإقام الصلاة، ويحقق الإسلام ذلك بأيسر طريق وأقلها مؤنة وكلفة. ففي عيد الفطر تحقق زكاة الفطر -إذا أحسن الناس توزيعها وإيصالها إلى مستحقيها- هذا المطلب. وفي عيد الأضحى يمكن للأضاحي والذبائح أن تحقق هذه الغاية.
وزكاة الفطر هِيَ خاتمة الصيام والكفارة التي يكفر الصائم بها عن الصغائر التي قد يرتكبها أثناء الصيام، فالصيام وإن كان أيامًا معدودات، ولكن الإنسان محل النسيان فقد يقصر الصائم دون قصد بارتكاب مَا لا يفطر الصائم، لكنه لو تنزه عنه فهو أفضل فإذا دفع زكاة الفطر قبيل الانتهاء من الشهر الكريم، فإن هذه الزكاة كفارة تكفر عنه مَا قد يكون حدث دون قصد، فيتسلم الله -جل شأنه- منه صيامه كاملًا نقيًّا ويثيبه الثواب الَّذِي تكفل به: (الصوم لي وأنا الَّذِي أجزي به). وزكاة الفطر تغني فقراء المجتمع عن أن يهتموا بحاجاتهم الضروريّة في يوم العيد، وتمكّنهم من التفرغ إلى الاحتفال بالعيد والحفاوة به: (اغنوهم عن الطواف عليكم في هذا اليوم)، فبدلًا من أن يطوف الفقراء على الأغنياء يلتمسون صدقاتهم، فإنهم يطوفون مع الناس مبتهجين بعيدهم فريحين مسررورين للانتهاء من عبادة هِي أحد أركان الإسلام، مكبرين الله على مَا هداهم من الصيام والقيام وقراءة القرآن، تلك هِيَ زكاة الفطر وأهميتها.