Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

سلسلة تأملات رمضانية (24) المصالحة الوطنية

المصالحة الوطنيَّة

الحلقة الرابعة والعشرون

أ.د: طه جابر العلواني

ظاهرة مشاركة المصريين في الإفطار عند الغروب لكل من يمر بهم أو يمرون عليه ظاهرة غاية في الإيجابيَّة، كنت أتمنى أن يستثمرها حكماء البلد في إيجاد المصالحة الوطنيَّة الشاملة خلال الشهر الكريم، ونزع فتيل الأحقاد والثأرات والفعل ورد الفعل، فالطبيعة المصريَّة تبرز أثناء غروب الشمس في رمضان كما كانت قبل ستين عامًا أو تزيد حين دخلت مصر للمرة الأولى، فهذا الفقير الذي قد لا يملك إلا قوت يومه يشارك الآخرين فيه عن طواعية وطيب نفس وابتغاء وجه الله -جل شأنه.

 وهذه الحالة النفسيَّة عند الغروب التي تدفع جميع المؤمنين من أبناء البلاد إلى تلك المواقف الرائعة فتجد شابًا أو شيخًا أو رجلًا متوسط العمر أو سيدة فاضلة ومعه كيس من التمر فيه تمرات معدودة لا يهدأ قبل أن يفرقها على جميع من حوله أو يمرون به، وقد ترى بعضهم يجري وراء الراكبين في سيَّاراتهم سواء أكانت خاصَّة أو سيَّارات أجرة ليقدم لهم حبات التمر أو علب العصائر أو أي شيء يستطيعه، في تلك اللحظة المباركة كان من الممكن جدًا أن يجلس الجميع سواء أكانوا من الموظفين أو من رجال القوات المسلحة أو من رجال الشرطة أو من الطلاب والأساتذة والجماهير على موائد الرحمن يطعم بعضهم بعضًا ويسقي بعضهم بعضًا ويؤدون صلاة المغرب معًا، ويبكي كل منهم –آنذاك- على أي خطأ بدر منه في حق أخيه، آنذاك- سوف يكتشف الجميع ما في النفس المصريَّة المؤمنة من طيبة وخصوبة تسمح بإنبات الخير ودفع سائر عوامل التحريض والإثارة بعيدًا وتناسيها وتجاهلها.

هذا المقترح كان في حاجة إلى شخصيَّات مثل الإئمة الثلاثة: الشعراوي والغزالي وعبد الحليم محمود وأمثالهم من الجيل السابق ينادون بين المصريين كافَّة بنداء الأخوة والمحبة، ويقنعونهم بأنَّ الشياطين تريد أن توقع بينهم؛ فعليهم أن يعصوها، وأن لا يتبعوا خطوات الشيطان، ويجعلوا الجميع يعودون إلى فطرتهم السليمة، ويغسلون عن قلوب المصريين كل الدرن والغبار الذي ليس من طبيعتهم، وليست في ضمائرهم، بل هي أمور طارئة تمامًا عليهم، لو حدث هذا لأمكن إعادة اللحمة -والله أعلم.

 كنت أتمنى لو حدث هذا، أو لو طالت أيام رمضان؛ ليتمكن الناس من استثمار هذه الأيام الفاضلة في إعادة بناء اللحمة والعلاقة، والضراعة إلى الله -جل شأنه- بأن يعيد تأليف القلوب التي تناكر بعضها ويؤلف بينها، تلك القلوب التي لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بينها إلا بإذن الله.

 فاللجوء إلى الله –تعالى- والرجوع إليه ومحبته ومحبة رسوله –صلى الله عليه وآله وسلم- والتعلق بتلك المحبة، وسؤال الله -جل شأنه- أن تنعكس على قلوب الناس فتعيد لها ألفتها ومحبتها وتآخيها؛ بالرغم من تلك العوامل الطارئة كلّها لتحقق الكثير، إنَّني أعتبر أنَّ هذه أقوى المبادرات وأكثرها فاعليَّة لو وجدت من يحسن حملها ويتقن تنفيذها، والله أعلم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *