الحلقة الثالثة والعشرون
حقوق المتهم في مرحلة التحقيق
أ.د. طه جابر العلواني
منذ حوالي أربعين عامًا عقد مؤتمر في مدينة الرياض عاصمة السعودية حول حقوق المتهم فكتبت دراسة متوسطة الحجم بعنوان ” حقوق المتهم في مرحلة التحقيق” وأرسلت بها إلى الهيئة المشرفة على المؤتمر وكانت على ما أذكر هيئة مشتركة بين وزارة الداخلية السعودية ووزارة العدل والمعهد العالي للقضاء وقُبل البحث ودعيت للمشاركة في المؤتمر به لخصت ما ذكرت فيه والخلاصة التي وصلت إليها أن الإسلام يحرم توجيه الضغط بكل ألوانه إلى المتهم من المحققين لأن ذلك إكراه على الشهادة على النفس فالمتهم الذي يدلي بشهادته التي قالها بناء على ضغط وجهه إليه المحقق معنويًا أو ماديًا أو حسي فإنه عبارة عن تحويل المتهم إلى شاهد على نفسه. فالإقرار الطوعي من المتهم شئ والإقرار الذي يكره عليه شئ آخر فالأول أن المتهم يكون قد استيقظ ضميره وندم على ما فعل وأراد أن يتخلص من عذاب الضمير فيأتي إلى المحقق طوعًا وبغير إكراه ليعترف له بما إرتكب وبذلك فهو مقر معترف طوعًا بما فعل أما من يكره المحقق بأي وسيلة من وسائل الإكراه فإنه لا يعد مقرًا عن رضا بل شاهد مجبر أجبر على الشهادة على نفسه ، والإقرار اعتد به سيد القضاة صلى الله عليه وآله وسلم بل كان يلقن المتهم احيان بل يدعوه إلى الرجوع عن إقراره ليرفع عنه العقوبة وكأنه عليه الصلاة والسلام يريد أن يعلم المحققين بأن الإنسان ما دام قد جاء من نفسه معترف بما ارتكبه بنفسه فقد تحقق هدف التحقيق والدرس الذي يستفيد به من العقوبة ألا وهو عدم تكرار ذلك الفعل مرة آخرى ولذلك فقد يكون رجوعه عن الإقرار بعد تحقق الهدف التربوي كاف ولا داعي لمعاقبته فالعقاب في الشريعة الإسلامية ليس للتنكيل في المعاقب بقدر ما هو عمل هادف يستهدف تربيته وتحريره من ضعفه أمام الذنب او الكبيرة او المعصية التي ارتكبها وحين فرغت من عرض بحثه ونتائجه وكان معظم الحضور من القضاة والمحققين هاجت القاعة وماجت وكان القضاة والمحققون أشدهم عليه وبعضهم ندد بما قلت بسخرية لازعة فقال إن الرجل أستاذ يجلس على منصة في الفصل مريحة ولم يمارس التحقيق ولو مارس التحقيق مع بعض المتهمين لأدرك أن المعذب إنما هو المحقق الذي يعذبه المتهم بكثرة مداوراته ولفه ودورانه فنسهر نحن المحققين الليالي معه لنحصل منه على كلمة تحررنا من عبأ التحقيق وتسهل علينا إحالته إلي القضاء فلا نستطيع، وتضاحكت من تعليقات الجميع وحين جاء دوري للرد عليهم قابلتهم بسخرية مماثلة ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَى بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ من عبادي المحققين ولو شاء لفعل” ، وقلت لهم ماذا لو كان هذا الرجل الذي ضغطوا عليه ولكنه امام ضربكم واهانتكم له اعترف بما لا يفعل فماذا تقولون لضمائركم آنذاك واستدل بعضهم بحديث نبوي حدث في غزوة خيبر أن المسئول المالي لخيبر الذي جمع اليهود عنده أموالهم لحمايتها أن تسقط غنيمة بأيدي المسلمين استدعاه رسول الله بعد فتح خيبر وطلب منه أن يسلم المال الذي لديه وكان قد دفنه في مكان اعده امن، وحاول يهود خيبر أن يخفوا الفضة والذهب وغيبوا مسكًا لحيي بن أخطب، وكان قد قتل مع بني قريظة، وكان احتمله معه يوم بني النضير حين أجليت النضير، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّ حيي بن أخطب: ((أين مسك حيي بن أخطب؟)) أبو داود3006 قال: “أذهبته الحروب والنفقات”، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العهد قريب والمال أكثر من ذلك)) صحيح ابن القيم الطرق الحكمية ، فدفعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الزبير بن العوام، فمسه بعذاب، وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة، فقال عمه: “قد رأيت حييًا يطوف في خربة هاهنا”، فذهبوا فطافوا، فوجدوا المسك في الخربة.
كان هذا الحديث هو الدليل القاطع على جواز تعذيبه بالقوة أولا الحالة هي حالة حرب وحيي وعمه من مقاتليه اليهود الشداء فكيف سمحتم لأنفسكم أن تقيسوا المسلم المتهم المنتمي لأمتكم وشعبكم بعدو محارب مقاتل والحرب شئ والسلم شئ اخر والاهل شئ والعدو المحارب شئ اخر لكن هؤلاء كانوا يعطون للحديث مفهوم أطلاقيًا عام وهذا لا ينبغي أن يكون إلا لكتاب الله لحديث تستمد اطلاقها وعمومها من أصلها القرآني ولم أقنعهم ولم يقنعوني ونشر البحث والجماعة ما يزالون يرون أن للمحقق الحق أن يمس بالشدة أو بالتعذيب من يحقق معه لإكراه على ان يشهد على نفسه فإن لله وان اليه راجعون.
ويبدو أن السيد أحمد الشقيري لم يأخذ العبرة والدرس الذي حدث لي فخرج بحلقة عن ذلك المسار من التحقيق إلي السجن واعتبر سجن النرويج والدنمارك وطرائق النرويج تساعد المتهمين على أن يخرجوا من السجن وقد عادوا مواطنين أسوياء صالحين للإنضمام الي المجتمع من جديد فهاج عليه المشايخ كهياج على اخيه من قبل ونالني منهم وربما كان الفارق انني كنت انتمي اليهم والسيد احمد لا ينتمي اليهم.