Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

سلسلة تأملات رمضانية (21) ماهية العقل

 

 

ماهية العقل

الحلقة  الحادية والعشرون

أ.د: طه جابر العلواني

العقل شيء ميَّز الله –سبحانه وتعالى- الإنسان به على سائر من خلق؛ ولذلك قال المناطقة قديمًا في تعريف الإنسان بأنَّه: “حيوان ناطق”؛ أي متعقل مفكر، فإذا فارق الإنسان العقل أو جمَّده أو لم يستعمله أو استعمله وأساء استعماله فإنَّه يكون قد رجع إلى الحيوانيَّة، وأصبح حيوان لا يمتاز إلا بشكله وبعض الأعراض الأخرى عن بقيَّة الحيوانات؛ ولذلك قال الله –تعالى- فيمن يعطلون عقولهم ولا يهتدون بها إلى الصراط السويّ، ولا يحددون بها ما ينفعهم وما يضرهم وما يصلح وما لا يصلح، قال: ﴿… إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان:44)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (الأنفال:22)؛ لأنهم عطلوا العقل وأغلقوا المنابع التي تمده بما يتعقل ويدرك.

واختلفوا في حقيقة العقل، فوصفه الإمام الغزالي بأنَّه: “رسول من داخل الإنسان يحمل لصاحبه من الهداية وأسبابها مثل ما يحمل المرسلون والأنبياء من هداية للإنسان”، وقال بعضهم فيه: “العقل خليفة العلة الأولى عند الإنسان، يناجيه ويناغيه، ويدل على قصده”. والعقل ناصح أمين لا يغشُّ صاحبه، يرفق به ولا يعنف معه، وهو بيان، وتذكار، وتوجيه ورصيد خبرات وتجارب، يلتقط لصاحبه من فنون العلوم والمعارف والتجارب البشريَّة ما يعينه على الخروج بالرأي السديد والموقف الرشيد تجاه ما يصادفه. وقال بعضهم إنَّ العقل مأخوذ من معنى العِقال. فهو يعقل صاحبه الذي يعرف كيف يستفيد به من الوقوع في المزالق، ويحميه من المهالك، ويسدد خطاه.

والعقل مطيَّة صاحبه إلى السعادة أو الشقاوة، ومبلغٌ له إلى صحة بقائه ومآبه، وقائدٌ له، وطريقٌ إلى استقلاله، ومساعدٌ له على بلوغ الكمال والتمام. وقسموا العقل إلى أقسام كثيرة، فهناك العقل الفردي، وهناك العقل الجمعي، وهناك العقل الغريزي، وهناك العقل الذي شذبته وأثْرَتْه التجارب والخبرات، فتعلم كيف يستخلص الدروس، ويستفيد العبر ويستضيء فيما يعرض له من ذلك الرصيد الوافر الذي يسعفه ويؤدي به إلى الإقبال على ما ينفع والإعراض عما يضر، والتشبث بما يصلح والبعد عما يفسد، ولقد ألِف الناس أن يقولوا عمن فقدَ عقله واتبع هواه ودمر على نفسه: إنَّه مجنون. وفيه إشارة إلى انسلاخه من عالم آدميَّته ودخوله في عالم مغاير هو عالم الجن.

ونحن في عصر غلب الناس فيه على عقولهم، فهناك إعلام جبَّار يتحكم في تحديد كثير مما يتعلق بحياة الإنسان من ثقافة ومعرفة وعلم وفن وآداب، بحيث يستطيع هذا الإعلام أن يؤثر في عقول الناس ويتحكم في توجهاتهم، وذلك بتغيير مفاهيمهم ورؤاهم ونظراتهم إلى حقائق الأمور، وهناك التعليم وهو مصدر آخر شديد الخطورة من مصادر التكوين العقلي، وهناك قبل وبعد ذلك التوفيق الإلهي أو الخذلان، هذه المؤثرات فيها ما ينمي العقل وفيه ما يضعفه أو يدمره، وفيها ما يجتاله، وفيها ما يحتوي العقل ويستوعبه ويتجه به وجهة ترضى أو لا ترضى. فالإنسان اليوم مسؤول أكثر من أي وقت مضى عن حفظ عقله من أن يسرق منه، أو يختطف ويوجه وجهةً تؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا نعمة العقل ويحفظ لنا عقولنا ويباعد بيننا وبين نزغات الشيطان، ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (النور:40).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *