Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الزكاة الحارس الأمين للمال المزكى

أ.د/ طه جابر العلواني

والدي كما ذكرت أكثر من مرة وكل من عمي خلف وعمي حسين الذين فقدت آخرهما قبل أيام كانوا جميعًا حريصين أشد الحرص على تزكية أموالهم في وقتها، وكان الوالد والعم خلف يجلسان معًا ويكتبان قوائم بمستحقي الزكاة من الأقارب وغيرهم، ويحسبان ما لديهم من مال تجب الزكاة فيه، ثم يخرجان ذلك المال، ويقوم كل منا بدور في توزيعه على مستحقيه، فكان الوالد والأعمام يذهبون بأنفسهم لزيارة بعض الأقارب أو المعارف المستحقين للزكاة وتقديم الزكاة إليهم سرًا بشكل لا يحرج أحدًا، ولا يميز بين يد عليا ويد سفلى.

وأذكر في صباي أنَّهما كانا يعهدان إليَّ بالذهاب إلى بعض الأقارب أو المستحقين من جيران بما قرراه لهم، حسب المال المتوافر، واحتياجات أولئك الأقارب والمستحقين، وكانا يعلماني كيف أسلمها لرب الأسرة دون إحراج، وسرًا من غير أن تطلع أسرته على تسليمي له ذلك؛ لكيلا يحرج أمامها، وكان الأسبوع الذي يتم فيه التوزيع غالبًا في شهر رجب.

وكان الوالد والأعمام يكرران دائمًا: أنَّ المال المزكى لا يذهب، وأنَّ الله يحفظه لأهله. وذات يوم في نهايات الحرب العالميَّة الثانية، وكانت المواد الغذائيَّة مرتفعة الأسعار آنذاك، قرر الوالد أن يشتري صفقة كبيرة من الأرز لإغناء أسواق الفلوجة ومن حولها عن البحث عن الأرز، كان ذلك في موسم الفيضان، وكانت أهم وسائط النقل ــ آنذاك ــ بين بلدنا وجنوب العراق ــ حيث مزارع الأرز في طويريج وغيرها ــ الوسائط النهريَّة، من السفن و”الدوب الكبيرة”، فاشترى حمولة أربعة سفن كبيرة وتم شحنها من طويريج إلى الفلوجة في نهر الفرات، ولظروف الفيضان وتحميل السفن بأكثر مما تطيق غرقت السفن الأربعة في منطقة من القرب من سدة الهنديَّة، وتلقى الوالد الكريم برقية تخبره بذلك؛ فاهتزت الأسرة لذلك الخبر، وشعرت بأنَّه مصيبة كبيرة، حيث إنَّ الوالد قد غامر بكل ما يملك من سيولة هو والعم خلف لشراء تلك الصفقة، وكنت أنظر إلى الوالد وهو يبتسم وكذلك العم خلف وكلاهما كان يرددان لتطمين قلق الجميع: اطمئنوا لقد دفعنا الزكاة، فلا خوف على مال مزكى من أي شيء.

وذهب الوالد إلى مكان الحادث، واقترح عليه هناك من اقترح بأن يشتري أعدادًا كبيرة من الحصر وينشرها على شاطئ النهر، ويأتي بغطَّاسين يستخرجون أكياس الأرز الذي كان قد مر على غرقها ثلاثة أيام، والنهر أشد ما يكون فيضانًا، وتمتزج مياهه بالطين والغرين، ومع ذلك فقد تم تفريغ حمولة المراكب الأربعة، ونشرت على الشاطئ ليوم أو يومين حتى ذهبت آثار الغرق وعاد الأرز يابسًا، كما يبست الأكياس الخاصَّة به؛ فأعيد ملؤها بالأرز المجفف، وأعيد شحنه إلى الفلوجة، ووصل الأرز وبدأت عمليَّة بيعه، وفرح الجميع بذلك، وبيعت الكمية كلها وبربح معقول،كان الوالد والعم يرددان دائمًا: ألم نقل لكم إنَّ المال المزكى محفوظ.

ويبدو أنَّ الله (جل شأنه) يكافئ من يزكون أموالهم في الحياة الدنيا بمباركة المال وحفظه، وفي الدار الآخرة يكافئهم على ذكره وشكره وحسن عبادته وإتاء الزكاة، فهل عائدة تلك الأيام التي كانت الطمأنينة والمحبة والشعور بالأمن والأمان يغمر القلوب المطمئنة، ويزيدها طمأنينة، ولا يسمح لأي قلق أن يستبد بها!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *