Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

سلسلة تأملات رمضانية (20) العلانية في الانحراف

العلانية في الانحراف

أ.د: طه جابر العلواني

هناك قول مأثور يقول: “إذا بليتم فاستتروا”، لكن أعراف الناس تجعل كثيرين يفخرون أحيانًا وهم يرددون: “أنا لا أخاف أحدًا إلا الله، ولا يهمني الناس، فما أميل إلى فعله أفعله رضي الناس أم غضبوا”، والمجاهرة بالسوء والانحراف والذنب لا تحمل أي نوع من الفضيلة تستحق أن يفخر أصحابها بها؛ ولذلك، فإنَّ القرآن المجيد قد نبّه إلى خطورة مَن يجاهرون بالسيئة في مجتمع أو يحبون أن تشيع الفاحشة فيه وتنتشر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور:19)، ويقابل التجاهر بالذنب والسيئة بالعقوبة المشهرة؛ لكي يتردد المذنب أو يتأدب، فينصرف عن الذنب ومقارفته، فإن لم يستطع أن ينصرف عنه فلا أقل من أن يستتر وهو يفعل الأمر السيّئ؛ لأنَّ الإعلان بالجريمة أو الانحراف أو السيئة فيه تحريض وتشجيع على ارتكابها، وهو يساعد على تدمير الحاجز النفسي الذي يحجز الناس عن الوقوع في تلك الجرائم، وسقوط الحاجز النفسي بين الناس وبين الجريمة أو الانحراف أو السيئة بكل أنواعها يمنح الناس الجرأة على ذلك، ويزيل التردد الذي قد يقوم في نفوس تحاول شياطينهم ونفوسهم وشهواتهم استدراجهم للوقع في تلك السيئة أو الخطيئة، وفي مجال العقوبه يقول الله -جل شأنه- في جريمة الزنا: ﴿… وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (النور:2)؛ لأنَّ رؤية العقاب وما يصحبه من ذل وصغار الذي يحلّ بمن أقيم الحد عليه سوف يعطي الآخرين درسًا من الصعب أن يُنسى في استقباح الجريمة والنفرة من الوقوع فيها والخوف من العقوبات الزاجرة الرادعة لو وقع الناس فيها.

ونحن لا ندعو بهذا إلى ممارسة الجريمة أو الانحراف أو الخطايا سرًا، بل ننفر من الجريمة بكل أنواعها، سرًا كانت أو علنًا، ونحضّ الجميع على عدم الوقوع فيها بأي حال من الأحوال، لكننا نعتبر أنَّ الجريمة المعلنة جريمتان: جريمة في حق من قام بارتكابها ومن أضير مباشرة بها، وجريمة في حق المجتمع الذي ستشاع هذه الجريمة فيه نتيجة العلانية في الاقتراف، لكن مراقبة الله -جل شأنه- في السلوك، واستحضار الإنسان لعظمته، ووجوب الوقوف عند حدوده؛ تجعل في الإنسان ضميرًا يحاسبه يعظه ويأمره وينهاه، ويعينه على الوقف عند حدود الله، والالتزام بمكارم الأخلاق ومحاسنها والبعد عن سيئها.

إنَّنا بحاجة إلى إنماء الحس الأخلاقي في المنزل والمسجد والمدرسة وبيئة العمل والبيئة كلها؛ لأنَّه بدون طهارة كل هذه المؤسسات وتضافرها لن يكون التمسك بالأخلاق من الناس كافة أمرًا ممكنًا.

 والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *