سلسلة تأملات رمضانية (8) الحرامي

الحرامي

أ.د. طه جابر العلواني

ألّف المصريون عبارة “تعالَ نسلي صيامنا”، وهو عنوان عام يدخل فيه الجد والهزل؛ فيمكن أن يسلِّي الإنسان صيامه بالذهاب إلى مجلس وعظ أو دعوة أو إرشاد، ويمكن أن يسلوا صيامهم بمشاهدة مسلسلات في الغث والسمين، ويمكن أن تكون تسلية الصيام في أيامنا هذا في اعتصامات أو احتجاجات أو وقوف في مضايق الزحام حتى يحين موعد الإفطار، فقد تغرب الشمس على أحدهم وهو في مضيق من مضايق الزحام التي أصبحت معروفة مألوفة لكل من يركب مطية أو سيارة ولم يعد ينجو منه حتى راكب رجليه. واستجابةً لهذه النصيحة في تسلية الصيام، اتجهت نحو الشعر، أحاول أن أنتقي منه، فوجدت قصائد كثيرة لأحمد مطر وأحمد فؤاد نجم والأبنودي والرصافي وغيرهم. أعجبتني بعضها فوددت أن أشارك القراء فيها، يسلّون بها صيامهم بدلًا من أمور أخرى. هناك شاعر اسمه ابن الجزار، عيَّره بعضُهم بأنه مجرد ابن جزار، فإذا به يرتجل قوله:

كيف لا أشكر الجزارة ما عشت ***حفاظًا وأهجر الآدابا ؟

وبها صارت الكلاب ترجينني *** وبالشعر كنت أرجو الكلابا !

فهذان البيتان قد استدعى إلى الذاكرة جميع الأفلام المصرية التي تتحدث عن عرائس جميلات قد ينتمين إلى أُسَر عريقات، يتقدم إليهن أستاذ أدب وجزار وقد تفضل إحداههن الجزار على أستاذ الأدب، الذي لا يطعم لحمًا ولا يشفي عظمًا، والعروسة اللطيفة بطينة تحب اللحم وتعرش العظم ولا تتخلى عن الكوارع!

وأعجبتني قصيدة ثانية «اللهم اجعلها خفيفة على القراء والسامعين»:

لفت نظري عنوانها: «احترامي للحرامي»!

واستدعت للذاكرة مسلسل «حضرات السادة الكدابين للفيشاوي».

فأود أن أترككم قليلًا مع التسالي الرمضانيَّة:

إحترامي .. للحرامي !!

صاحب المجد العصامي ..

صبر مع حنكة وحيطة ..

وابتدا بسرقة بسيطة ..

وبعدها سرقة بسيطة ..

وبعدها تَعدى محيطه ..

وصار في الصف الأمامي .. !

احترامي .. للحرامي .. !!

احترامي .. للحرامي ..

صاحب المجد العصامي ..

صاحب النفس العفيفة ..

صاحب اليد النظيفة ..

جاب هالثروة المخيفة ..

من معاشه في الوظيفة ..

وصار في الصف الأمامي ..

احترامي .. للحرامي .. !!

احترامي .. للحرامي ..

صاحب المجد العصامي..

يولي تطبيق النظام ..

أولوية واهتمام ..

ما يقرب للحرام ..

إلا في جنح الظلام ..

صار في الصف الأمامي

احترامي .. للحرامي .. !!

احترامي .. للحرامي ..

صاحب المجد العصامي ..

يسرق بهمة دؤوبة ..

يكدح ويملي جيوبه ..

يعرق ويرجي المثوبة ..

ما يخاف من العقوبة ..

صار في الصف الأمامي ..

احترامي .. للحرامي .. !!

احترامي .. للحرامي ..

صاحب المجد العصامي ..

صار يحكي في الفضا ..

عن نزاهة ما مضى ..

وكيف آمن بالقضا ..

وغير حقه ما ارتضى ..

صار في الصف الأمامي ..

احترامي .. للحرامي ..

احترامي لللصوص ..

عن قوانين ونصوص ..

احترامي للفساد ..

وأكل أموال العباد ..

والجشع والازدياد ..

والتحول في البلاد ..

من عمومي للخصوص .

احترامي للصوص .. !!

«اللهم إنا نعوذ بك من المفطرات».