Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

سلسلة تأملات رمضانية (7) العولمة وصلاة الجمعة

“العولمة وصلاة الجمعة”

أ.د. طه جابر العلواني

كنَّا في مؤتمر بالجزائر منذ سنوات، عُقِدَ ضمن سلسلة “ملتقيات الفكر الإسلامي”، وكان الحديث عن الاجتهاد، فقام أحد الأساتذة من الذين يعيشون في أوربا -وهو ابن أحد رجال العلم الذين نجلُّهم ونحترمهم- فتحدَّث حديثًا عجيبًا عن الاجتهاد وقال: إنَّ الاجتهاد ينبغي أن يكون مطلقًا وحرًا في كلِّ شيء، فلا يكون شيءٌ من أمور الدين والدنيا خارج طائلة الاجتهاد، حتَّى الصلوات والعبادات. وضرب بنفسه مثلًا حين رأى أن المسلمين ليس لديهم وقت كافٍ لأداء صلاة الجمعة؛ فأفتاهم بأنَّ لهم أن يصلُّوها ظهر الأحد! وقال في تسويغ اجتهاده ذاك بأنَّ يوم الجمعة إنّما سُمِّيَ بيوم الجمعة لأنَّهم كانوا في الجاهلية يجتمعون فيه، وقد تغيَّر الزمن بالنسبة لهم فلم يجتمعوا يوم الجمعة في الغرب بل يوم الأحد. ولذلك أخبرهم أَنَّه لا يجد ما يمنع شرعًا من نقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد! فهاج الناس وماجوا وكادوا يفتكون به، لولا أنَّ بعضَ الحاضرين مثل الشيخ الغزالي والشيخ الزرقا وآخرين قاموا بحمايته إكراماً لذكرى والده.

ويبدو أنَّ قضيَّةَ تغيير الأيام المؤقتة بأوقات محدَّدة إلى أوقات أخرى ميراث جاهلي، فالجاهليون ابتُلُوا بالنسيء: “إنّما النسيء زيادة في الكفر يُضلُّ به الذين كفروا يحلّونه عامًا ويحرمونه عامًا ليواطئوا عِدَّة ما حرَّمَ الله فيُحِلُّوا ما حرَّم الله زُيِّنَ لهم سوءُ أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين”(التوبة: 37). وهذه الإجازات والأعياد لها تشريعات معيَّنةٌ في الإسلام، كلُّها داخلة في الأمور البدهية المعلومة من الدين بالضرورة، وما كنّا نظن أن نعيش حتى نرى ونسمع مثل ذلك التلاعب فيصبح السبت في كثير من بلاد المسلمين والأحد عُطَلًا رسميَّةً بحجَجٍ مختلفة، أبرزها: معاملاتنا الاقتصادية مع الشركات والبنوك العالمية، فإذا جعل المسلمون عطلتهم يومي الخميس والجمعة والعطلة في أوربا واستراليا وغيرها هي السبت والأحد، فذلك يعني أنَّنا سنعطل أعمالنا لمدة أربعة أيام في الأسبوع، ولذلك نحن مجبرون أن نتخلّى عن عطلتنا المعهودة ونماثل العالم في أَيام العطل والإجازات لتحقيق المصالح الاقتصادية ودرء المفاسد. ولم يُحَدِّثْ أيٌّ من هؤلاء نفسه لِمَ لَمْ يتنازَل الآخرون عن عطلهم خدمةً لمصالحهم؟، ولِمَ يطالبُ المسلمون دائماً بالتنازل؟ وهي عطلٌ دينية مرتبطة بشرائعهم وأديانهم وتقاليدهم، مع أنَّ تلك البنوك حينَ رأَتْ من بعض بنوكنا إصرارًا بضرورة إيجاد نوعٍ من التعامل الإسلامي خضعت وفتحت نوافذ للمعاملات الإسلامية في أكثر البنوك ارتباطًا بالتعامل الربوي. ولو أَنّ المسلمين أرادوا أن تُحتَرَمَ مشاعرهم في هذه الأمور لحصلوا على ما يريدون؛ فالبنوك العالمية تموت شوقًا وعشقً للأموال العربية ولأموال البترول وسواها.. التي لولاها لحُرِمَتْ تلك البنوك من أرباح هي في أَشدِّ الحاجة لها.

أمَّا أيَّام المسلمين، فالأيام وإن اشتركت بكونها أوقاتًا، لكنَّ للأمم فيها خصوصيات وأمور ثقافية وتقاليد ترتبط بتلك الأيام، ولذلك أطلق القرآن المجيد على بعض الأيام “أيام الله”، مع أنَّ الزمن كلَّه خلق الله. ولا أدري لمَ يتساءل المسلمون في أيامهم ولمَ يقلدون خصومهم؟ فالسبت مرتبط بتشريعات يهودية معينة! وإنَّني أخشى أن تصبح جزءًا من فقهنا وتراثنا الديني، “إنَّما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإنَّ ربَّك ليحكمُ بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون” (النحل:124)، فيا مسلمي العالم انتبهوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *