أ.د/ طه جابر العلواني
حين كتبت مقالتي تحت عنوان “موقفان لا أنساهما” أشرت إلى جوازات السفر، ولي مع جوازات السفر في فترة اغترابي وعيشي في المنفى طرائف كثيرة، فقد كلَّف بعض أصدقائي الراحل محمود بابان –يرحمه الله- وهو وزير عراقي سابق، استوزر في العهد الملكي، أن يساعدني في الحصول على جواز سفر، أستطيع الانتقال به عند الضرورة، وكان الرجل أريحيًّا وشهمًا، ويحب المساعدة، كان –آنذاك- مستشارًا للأمير نايف بن عبد العزيز –يرحمه الله- ولي العهد السابق، ووزير الداخليَّة، فقال: أستطيع أن أكلِّف زوج ابنتي الدكتور طارق التل، شقيق فخامة رئيس الوزراء الأردني آنذاك وصفي التل؛ ليستخرج له جواز سفر أردنيًا، يستطيع أن يأتي به إلى المملكة السعوديَّة، وبعد ذلك لعلنا ننجح في أن نحصل له على جواز سفر سعودي، فكتب رسالة إلى الدكتور التل يعرفه بي ويطلب منه أن يصحبني إلى أخيه رئيس الوزراء، ليمنحني جواز سفر أردني، وكتب رسالة إلى السيد وصفي التل، فأخذت الرسالة، وذهبت من بيروت إلى عمان، ووجدت السيد التل بانتظاري، وفي اليوم التالي صحبني إلى مقر رئيس الوزراء أخي السيد التل، فرحب بي أجمل ترحيب، وأمر على الفور باتخاذ ما يلزم لإصدار جواز سفر لي، ونادى مدير مكتبه وأمره أن يذهب إلى وزير الداخليَّة، ومعه البيانات والصور، ويعود بالجواز.
وكان السيد وصفي التل –آنذاك- مشغولًا بقضيَّة أمنيَّة خطيرة حول مطاردة أحد كبار تجار المخدرات، فحين أملى على سكرتيره الاسم المقترح لي، وهو غير اسمي الصريح، قال له: اخترت له هذا الاسم: محمد طاهر الفياض، وهو اسم لا يقترب من اسمي إلا بطاهر واسم الجد الذي هو الفياض، وأعطاه المهنة محامي والولادة في القدس، ولم تمضِ غير ساعة أو أكثر فجاء مدير مكتبه ومعه جواز السفر باسم محمد طاهر الفياض، سلمني الرجل جواز السفر، ودعاني لتناول الغداء عنده، فاعتذرت، ودعاني للإقامة في الأردن وتقديم كل ما قد أكون بحاجة إليه، وكان في منتهى الكرم والأريحيَّة -جزاه الله خيرًا-، فأصررت على مغادرة عمان في ذلك اليوم، والعودة إلى بيروت بالجواز الجديد، وبمجرد أن وصلت مطار بيروت كنت قد اعتدت –آنذاك- أن لا أحمل شنطة سفر، وكل ما أحمله شنطة صغيرة فيها بعض الأمور الضروريَّة أستطيع أن أحملها معي في الطائرة، ولا أتوقف عند سير الأمتعة أو جمارك أو نحوه، فأستطيع النزول من الطائرة إلى باب المطار مباشرة، وذلك ما حدث، لكنَّني ما إن وصلت إلى الباب لأخرج حتى فوجئت بنداءآت بمكبر الصوت في المطار بالاسم الجديد الذي لم تألفه أذناي بعد، وهو محمد طاهر الفياض، فإلى أن ألتفت إلى أنَّني المقصود بذلك النداء أخذ ذلك وقتًا، فانعطفت راجعًا، وسلمت على ضابط الأمن، وقلت له: ما الذي تريدون؟ أنا فلان، فأخذني إلى غرفة يستخدمها الشرطة أو الدرك، وأجلسني ثم أغلق الباب، فعلمت أنَّ في الأمر إشكالًا ما دام الباب قد أغلق، إذ إنَّ هذا النوع من التعامل تعامل مع معتقل، انتظرت إلى أن دخل ضابط الشرطة، فسألته: ماذا تريدون مني؟ ولما أتيتم بي إلى هذه الغرفة؟ فقال: اصبر قليلًا، فهناك مشكلة في الاسم، قلت: ما هي المشكلة؟ قال سيأتي المحقق الآن ويناقشك فيها، جاء المحقق وسألني أول ما سألني عن اسم والدتي مما زاد في شكي، ما الذي يريد الرجل من اسم والدتي؟ قلت له: هو مسجل لديك في الجواز، واسمها رفعة، قال: طيب، وكتب شيئًا، ثم نهض إلى الهاتف وكلَّم شخصًا آخر يبدو أنًّه شخصيًّة كبيرة، ومسئول كبير -كما خمنت من خلال عبارات الاحترام التي كان يكيلها له- وسمعته يقول للطرف الآخر: إنَّ هذا الرجل تنطبق عليه جميع صفات ذلك المهرب ما عدا اسم أمَّه ولون شعر رأسه، لكن الاسم والمهنة والطول والعلامات الفارقة كلها متوافرة فيه، فماذا نفعل؟ إذا بالشخص الموجود على الهاتف من الناحية الأخرى يقول له: ضع هذه الفوارق في بطاقة، واكتب تحتها إنَّ هذا غير الشخص المقصود والمطلوب للانتربول، فيرجى تسهيل أمره، وعممها على جميع منافذ لبنان “المطار، والمصنع” وسواهما، لئلا يضار الرجل بمثل هذه العرقلة، واعتذر لنا منه، فجاء الرجل وقال: إن شاء الله ما تكون تعبت، هذا لصالحك، من تحمل اسمه تاجر مخدرات كبير؛ ولذلك استوقفناك؛ لأنَّ الاسم والأوصاف متشابهان، لكن المختلف لون الشعر واسم الوالده، فكتبنا هذا التقرير لكي نجنبك المشاكل في المستقبل.
فخرجت مسرعًا إلى منزل أخي صادق -يرحمه الله-، وقلت له: غدًا يجب أن أعود إلى عمان؛ لاستبدال جواز السفر الملعون هذا.
وإلى اللقاء مع جواز سفر آخر.