Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تجديد لفكر الحركة وتنشيط لحركة الفكر

أ.د. طه جابر العلواني

المشروع الَّذِي نذرنا أنفسنا للتقدم به إلى أمّتنا يفرض علينا أمانة لا بد من أدائها ألا وهي أمانة إعداد وتقديم الأسس الفكريّة والمنهجيّة اللازمة لحركة الأمّة من كتاب الله الَّذِي لا يأتي الناس بمثل إلا جاءهم بالحق وأحسن تفسيرًا، بمعنى أنّ علينا أن نجِدّ ونجتهد ونكد ونكدح ونتابع ونعقب ونواصل العمل والسعي لبناء «المنظومة الفكريّة القرآنيّة البديلة»، التي نستطيع من خلالها وبها إعادة تكوين العقل المسلم قرآنيًّا، وتشكيل بنيته وفقًا للتصور القرآنيّ النبويّ السليم للكون والحياة والإنسان، ذلك التصور التوحيدي القويم المستمد من كتاب الله وسنّة وهدي رسوله صلى الله عليه وآله والتدبّر لسنن الكون وقوانين الوجود، المدرك لغايات الخلق، الواعي لأبعاد الكون والحياة وعي تمكن واستفادة، وعي العقل الراسخ بإدراك البعد الإنسانيّ بكل أنواعه، والبعد الزمانيّ بكل مراحله، والبعد المكانيّ بكل أطرافه، ووحدة الحق السائدة، ووحدة الخلق البارزة وقواعد التسخير المحدّدة، وشروط التمكين والاستخلاف.

وفي الوقت ذاته، لا بد من تتبع حركة الفكر الإسلاميّ منذ نزول «اقرأ» حتى يومنا هذا تتبعًا دقيقًا تحليليًّا، يمكننا من معرفة هذا الفكر ومكوناته، والعوامل المتنوّعة التي أثيرت فيه، ورصد إيجابيّاته وسلبيّاته، وطرائق تكوّنه وتشكيله، ونقده نقد الصياريف كما يقال، لوصل حركتنا به من ناحية، ولنجتاز بأمّتنا آثار القراءات الاستشراقية والجزئيّة والحزبيّة أو الطائفيّة من ناحية أخرى. ذلك لأنّ هذه القراءات لم تكن إلا قراءات موجهة أو قاصرة، تسعى وراء الكشف عن شيء سبق لها افتراضه، أو الاستدلال والتوثيق بشيء تقدمت به، مما أفقدها موضوعيّتها وعلميّتها وصادر معظم فوائدها.

إنّ حركة متخصصة في تمحيص الفكر وتنقيته وتوليده وإنتاجه مثل حركتنا الفكريّة تتخذ من معالجة «الأزمة الفكريّة للأمة» محورًا لنشاطها ومنطلقًا لأهدافها، لا يمكنها أن نتجاوز هذه المهمة؛ مهمة تزويد حركة الأمّة بما تحتاجه من فكر سليم، والعمل على تشكيل العقليّة الإسلاميّة وفق مبادئ قرآنيّة ومنهج اتباع نبويّ قويم راسخة، وخطة عمل واضحة تمكن من تحقيق صيرورة الخطاب الإسلاميّ وتجديده، وتنوّع أشكاله وشرح مضمونه.

كما أنّ من المحال أن ينعزل الفكر والمفكر عن التفاعل مع كل ما يحيطه مهما حاول، والمفكر ابن بيئته يتفاعل معها إيجابا وسلبا ، فيقومها وتقومه، ويؤثر فيها وتؤثر فيه. والقرآن المجيد قد حفل بذكر القصص والأمثال والنماذج التي تؤكد على العلاقة الجدليّة بين الإنسان وبيئته وحتى حين يحاول المصلح المفكر أن يغترب عن بيئته ويوجد قطيعة شعوريّة ولا شعوريّة بينه وبينها ، فإن طبيعته تأبى عليه ذلك، فمن هنا جاء قوله  -صلى الله عليه وآله وسلّم: «بدأ هذا الذين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس». وهذا هو الاغتراب الإيجابيّ مقبل «Alienation» الذي يشيع ظاهرة في الغرب اليوم ليمثل الاغتراب السلبيّ، أمّا المسلم اغترابه إيجابيّ.

وفقنا الله تعالى وإياكم لنكون صالحين مصلحين غرباء متقين نصلح ما يفسده المفسدون. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *