Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

خطبة جمعة اللغو

د/ طه جابر العلوانى.

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

قال المولى جل شأنه في كتابه العزيز ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ (المؤمنون3:1).

وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان:72).

وقال تعالى ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص:55).

إنَّ هذه الآيات الكريمة توضح لنا صفة من أهم صفات المؤمنين، وخُلقًا من أهم أخلاقهم يصلح أن يكون علاجًا نافعًا لكثير من الظواهر الاجتماعيَّة؛ فهناك ما يُلتفت إليه من الكلام، ويستحق ذلك، وهو أحسن الحديث، وأحسن الكلام، ثم كلام رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)،  ثم آل الحكمة، والبيان من أصحابه، وأتباعه.

لكن هناك كلاما ساقطا، أو مبهما؛ يسوده الغموض، والالتواء؛ يقصد قائله إضلالك، وخداعك، ودفعك للانحراف، أو التخلي عن مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، وتجاهل مسؤوليتك عن القيم العليا، وانتمائك لأمتك، ومسؤلياتك تجاه أبنائها من فقراء، ومساكين، ومن هم في حاجة إلى عونك، ومساعدتك؛ فيقول لك: “لو شاء الله؛ لأطعم هؤلاء الذين تريد إطعامهم، ولعالج أمراض الذين تريد معالجة أمراضهم، ولنصر الضعفاء، وأعانهم؛ دونما حاجة إلى عونك”، وهم يعلمون أنَّ الله (جل شأنه)  غني حميد؛ لكنه أسس نظام الكون، وبناء الوجود على سنن، وقواعد لم تتخلف، ومنها: أن يتخذ الناس بعضهم بعضا أعوانا، فما من أحد يعيش في مجتمع؛ إلا وهو: خادم لغيره، ومخدوم منه أيضا، فخذ فصائل العمال كافة؛ فعيادة الطبيب مثلا: يشارك فيها كل العمال على اختلاف تخصصاتهم، مثل: النقاشون، والحدادون، والبناؤون، إلى غيرهم. والطبيب بنفسه؛ يخدم هؤلاء جميعا، وقد يكون تخصصه في الأعضاء التناسلية، أو القولون، أو أية أماكن أخرى؛ التي قد تكون مجاري لفضلات الإنسان نفسه؛ فيقوم الطبيب بمعالجتها، واحتمال الأذى، وقد يتعرض الطبيب نفسه إلى بعض المخاطر، وقديما قيل:

والناس للناس من بدو ومن حضر             بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ

لذلك؛ فإنَّ المسؤوليات الأخلاقية تشكل ضمانة لإيجاد روابط متينة بين أبناء المجتمع؛ توثق علاقاتهم، وتقوي روابطهم، وتؤسس للتأليف بينهم، وإيجاد قواعد للتعاون، والتآزر، والتضامن فيما بينهم. ومن أبرز تلك الصفات، وأهم تلك المسؤوليات؛ أن يُعلَّم أبناء المجتمعات، ويُدربوا على عدم الاستماع إلى اللغو، واللغو في أصله هو: فضول الكلام الذي لا تترتب عليه فوائد دنيوية، أو أُخروية، أو كما قال الله تعالى ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء:114). أما ماعدا ذلك من سمر. أو كلام، أو تناجٍ؛ فينبغي أن يحذر الإنسان التناجي مع أصدقائه، أو أصحابه؛ بالإثم، والعدوان، ومعصية الله، ومعصية الرسول؛ فذلك مهلك للإنسان، ومدمر لأخلاقه، ومحطم لدنياه، ويقوده في الآخرة إلى النار. وحين قال معاذ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  وهو يحذر الناس من اللغو، وما قد يصحبه من غيبة، ونميمة، وسواهما. وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذى يحسنا على عدم اللغو فى الكلام؛ حدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ قَالَ: “لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقُلْتُ: لَهُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ”[1]

فاللغو، وفضول الكلام على المقاهي، أو في البيوت، أو في أماكن تجمع الناس قد نهى الله عنه كله، وحذرنا منه، وأمرنا بتجنبه؛ مع أن الناس يرغبون به، ويقبلون عليه، ويعتبرونه من وسائل التسلية، ويمارسونه بخفة، ونشاط كما يتنفسون الهواء.

وإذا راقبنا أنفسنا، وأيقنا بأنا مؤاخذون بما نقول، ومحاسبون عليه، وأن علينا أن نحصر كلامنا في النافع المفيد؛ فذلك يعني أن الإنسان يصبح مثل: النحلة لا يخرج من فيه إلا طيب، يأكل طيبا، ويُخرج طيبا، وقد تعلمنا من القرآن المجيد، وهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحكمة الحكماء من أهل بيته، وأصحابه عدة وسائل للتحذير من ظاهرة اللغو، وإبعاد الناس عنها، منها: مطالبة كل من ينقل كلاما عن من سواه أن يثبت صحته، ويؤكد على مصدره، وإذا كان المتحدث مدعيا مجرد ادعاء فلا بد له من الدليل الذي يشهد لصحة ما يدعيه، أو يقوله، ولو اتبع الناس هذه القاعدة لنقوا مجالسهم، وعقولهم، ومجتمعاتهم من سائر آفات الكلام، وما يترتب عليها من: تنافر، وتباغض، وتنازع.

نسأل الله سبحانه، وتعالى أن يجنبنا وإياكم اللغو، ويباعد بيننا، وبينه، ويرزقنا الإخلاص، والصدق في القول، والعمل إنه سميع مجيب.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي، ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد بن عبد الله خاتم النبيين.

أما بعد،

إن كثيرا من اللغو يدخل في المحرمات؛ فهناك لغو ينال من أعراض الناس، ويقذف المحصنات المؤمنات، والطاهرات، وذلك هو القذف الذي حذرنا الله منه، ورتب عليه مجموعة من العقوبات الدنيوية، والأخروية. واللغو أحيانا يكون بكذب؛ ومعروف أن الكذب من خصال الكافرين، قال تعالى ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (النحل:105)، ويدخل في الكذب الاتهامات، ورجم الناس بعضهم بعضا بغليظ القول، وسافله. فنسأله سبحانه أن يهدينا، وإياكم سواء السبيل، ويعيننا وإياكم على الالتزام بما أمر، واجتناب ما عنه نهى، والوقوف عند حدوده سبحانه وتعالى.

[1] – مسند أحمد- الرسالة ،ج36، ص (345).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *