Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

نداء عام إلى أمَّة الإسلام وإلى خادم الحرمين الشريفين معذرة إلى ربكم ولعلهم يرجعون

 طه جابر العلواني

من علماء الأزهر

هذا النداء نوجهه بعد أن أخذت الفتن الكبرى الطائفيَّة والحزبيَّة تفتك في بلاد المسلمين بشكل لم يسبق له مثيل.

إنَّنا لا نقصر نداءنا هذا على المؤمنين بالإسلام دينًا فقط، بل ندرج في هذا النداء مواطنينا وإخواننا من أبناء الديانات الأخرى، الذين صار لهم الإسلام ثقافة ونظام حياة، كما هو دين للمسلمين وثقافة، فالإسلام كما هو دين شامل فهو ثقافة شاملة لكل مقيم على أرضه.

ونداء الله هذا نداء نوجهه لسائر شعوبنا في قلب العالم الإسلامي في العراق وسوريا وتركيا وإيران وأفغانستان والباكستان وليبيا واليمن ومصر والسودان وتونس والجزائر وخادم الحرمين الشريفين، وغيرهم ممن يتصل الأمر به.

إنَّ نداءنا هذا ليس نداءً بشريًّا بل هو ترديد وتلاوة لنداء إلهي أنزله الله على قلب رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أنزل القرآن على قلبه؛ ولذلك فإنَّه نداء يشرف الجميع ترديده والمناداة به ليل نهار، ويعني الجميع، وهو أمر للجميع كذلك، وهو النداء الذي يرسم لنا طريق الخروج من هذه الأزمات والفتن والكروب، وهو الذي يضعنا على طريق النجاة، ويرسم لنا خارطة طريق لا تلتبس ولا تزيغ عنها القلوب ولا يضطرب سالكوها _إن شاء الله تعالى، إنَّ هذا النداء هو نداء الفطرة والإخلاص والانتماء والهُوِيَّة، جاء في الآية الثامنة بعد المئتين من سورة البقرة التي سجلت كيف استبدل الله (جل شأنه) بني إسرائيل ببني إسماعيل، فقال (جل شأنه) ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة:208)، إنَّ في صدر الآية حيث قال الله (جل شأنه) ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ ولم يقل يا أيها الناس؛ أراد (جل شأنه) بذلك أن يبين أنَّ الدخول في السلم شأن إيماني، فكأنَّ من يثير الفتن والحروب بعيد عن الإيمان حتى لو لقب نفسه به، فالأصل هو السلم، وشعار المؤمنين ودثارهم هو السلم، وهم مأمورون من خالقهم بأن يدخلوا في السلم كافَّة، فدخولهم الحروب وانغماسهم في الفتن دليل على أنَّ الشياطين قد اجتالتهم عن طريق الله (جل شأنه)، ودفعتهم إلى اتباع خطواته، والسير وراءها تحت أي مسوغ من المسوغات.

 إنَّ الآية تستهدف في أول كلماتها استنهاض ما بقي من إيمان في قلوب المؤمنين؛ ليشد انتباههم إلى ضرورة السلم، وأهميَّة المسالمة بين أهل الإيمان والإسلام، وخطورة الفتن والتحارب والتقاتل، وسواء تلك الفتن التي تقوم على كراسي السلطة أو مغانم الأموال، أو تقوم عمياء ضالة مضلة، لا يدري القاتل لمَ قتل ولا المقتول علامَ قتل. فما قيمة كرسي تقوم قوائمه على جماجم العباد، وأشلاء الخلق، وصاحبه تاركه ومخلِّفه وراءه اليوم أو غدا، ولا يملك شيئًا يرد به عن نفسه. فإذا أتى الله (عز وجل) يوم القيامة بتلك الخلائق التي قتلت بأمره، وقال له ربه: بأي ذنب قتلت هؤلاء؟ ويعرض له اسماء آلاف لا يعرفها، وكذلك ممن يعرفها، ثم يقول له: من أنت لتهدم ما أبني، وتدمر ما أخلق، وتزهق أنفسًا خلقتها بيدي، وبما استحقت منك ذلك؟! ألمجرد أنَّها رأت رأيًا آخر غير رأيك؟ أو توهمت أنَّ بقائها على قيد الحياة تهديد لكرسيك الذي لم تلبث فيه إلا قليلا؟ يقول الله (جل شأنه) ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (المؤمنون:112- 115)، ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (الروم:55).

إني لأدعو خادم الحرمين الشريفين عبد لله بن عبد العزيز أن يوجه الدعوة لقيادات الأطراف المتنازعة في العالم الإسلامي كله، ويجمعهم في البلد الحرام، وفي بيت الله المحرام، ويذكرهم بخطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، حين قال: “أيُّها الناس: إنَّ الرب واحد، والأب واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب .. لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”، وتتم في ذلك اللقاء عند الملتزم في بيت الله المحرم -حيث تسكب العبرات، وتغسل النفوس، وتستريح القلوب في حرم آمن، جعله الله مثابة للناس وأمنا- المصالحات بين الناس في كل ما يمكن التصالح عليه. ونضرب للناس مثلًا بأنَّنا ما زلنا أمَّة لها مقوماتها، ولها هُوِيَّتها، وتستطيع أن تلم شعثها، وتعالج جراحها، وترأب الصدع بين أبنائها، وتفكك الأزمات، وتعالج المشكلات، وتأسوا الجراحات؛ لعل ذلك يحقن بعض الدماء، ويستر بعض الأسر، ويحمي الحرائر وأعراضهن من بنات العروبة والإسلام. فليت خادم الحرمين يجعل ذلك هدفًا لحياته، يتقرب به إلى الله؛ ليحسن خاتمته. ولا يستغرب ذلك منه وهو ابن موحد الجزيرة الذي استطاع أن يحقق ما كان يعد من المستحيلات قبله، ألا وهو وحدة الجزيرة بكل ما فيها من نزعات قبلية، وتناقض، وميل إلى السلب والنهب والقتل والغزو، وما إلى ذلك مما كان سائدًا في جزيرة العرب، لعل هذا الاقتراح يجد سبيله إلى أنظار من يهمهم الأمر، ولعل الأمر قد تأخر كثيرًا وكان يمكن أن يتقدم.

إنَّ هذا النداء لخادم الحرمين ولسائر أبناء الأمَّة وإن صدر عن إنسان ضعيف وفرد عادي لا يملك إلا قلمه وإخلاصه وحقيقة انتمائه لهذه الأمَّة، لكنَّه ترديد لنداء إلهي نادانا الله به من فوق سبع سماوات، وأنزله على قلب رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل قرون، وهو ينزل هذا القرآن لبناء هذه الأمَّة، فالاستجابة له هي استجابة لله ولرسوله، واستماع للحق الذي جاء به الكتاب، ونطق به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

هذا النداء نوجهه لكل هؤلاء الحكام والمحكومين؛ للمالكي في العراق ومعارضيه، ولبشار في سوريا ومعارضيه، وأهل اليمن، وليبيا، وتونس، ومصر، وسائر البلدان؛ إنَّه نداء الله، ونداء الفطرة، والإخلاص، والانتماء، والهُوِيَّة، فهل من مستجيب؟.

ونحن نعلم أنَّ كثيرًا من الناس سوف يسخرون من مناداتنا هذه، بعد أن استفحلت الفتن واستشرت وتجاوزت حدود التفكير في المصالحة، لكن مثلنا ومثل المعترضين علينا يشبه ما قص القرآن علينا من حديث أهل السبت الذين قالوا للناصحين منهم ﴿وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (الأعراف:164-165).

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *