الحلقة الثانية
أ.د: طه جابر العلواني
كان سيدنا عمر –رضي الله عنه- معروفًا بصلابته وقوته، ومراقبته للعاملين معه بمنتهى الدقة، وكان جهاز مخابراته في عهده يعمل لمراقبة كبار رجال الدولة، لا لمراقبة الشعب، وكان كثير المحاسبة لهم والمراقبة لسيرهم وسلوكهم بين الناس، وقد اشتكى العراقيُّون له أميرهم بعد تحرير الأرض العراقيَّة من الفرس سعد بن أبي وقاص، ولمّا لم يجد العراقيُّون في سعد ما يعيبونه عليه اتهموه أمام عمر بأنَّه قد احتجب عنهم، ووضع بابًا على محل إقامته ولم يعد الناس يستطيعون الوصول إليه إلا بإذن من حارس أو حاجب، فأرسل عمر –رضي الله عنه- إلى العراق بلالًا الحبشي مؤذن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وأمره أن يحرق باب سعد ويعود، فإذا سأله سعد لمَ فعل ذلك، فيحل إلى أمير المؤمنين عمر، وكتب سعد يعاتب عمر على ذلك، فقال له عمر: إني لا أولي عُمَّالي لكي يحتجبوا عن الناس، بل ليكونوا بينهم، قادرين على خدمتهم، وتلبية حوائجهم عندما يحتاجهم الناس.
ولما أرسل العراقيُّون وفدًا إلى عمر –رضي الله عنه- يطلبون منه عزل سعد بن أبي وقاص، فسألهم عن أسباب ذلك، فلم يجدوا في سعد عيبًا، فقالوا: إنَّه لا يعرف كيف يصلي، فقال عمر –رضي الله عنه- لقد تعلمنا الصلاة على يدي رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وكان سعد واحدًا منّا، وذكّر ببعض فضائله، فأرسل عمر إلى سعد يسأله: يا سعد أخبرني كيف تصلي؟ فأخبره بأنَّه تعلم الصلاة على يدي رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- كما تعلمها عمر وغيره، فقال له: أركد بهم في الأوليين وأحذف في الأخريين[1]، وذكر له صفة صلاته، فهز عمر رأسه وقال من يعذرني من أهل العراق، يلومونني في سعد، وذكر شيئًا من فضائل سعد، لكنه عقب على ذلك بقوله: لو أراد أهل العراق مني في كل يوم أميرًا لفعلت؛ لأنه أدرك أنَّ في طبيعة ذلك الشعب نوعًا من الشموس والملل، تقتضي مجاراتهم في ذلك إلى أن يتعودوا ويعلموا ويتدربوا على كيفيَّة التعامل مع مسئوليهم.
فجمعُ كلمةِ الأمَّة وتوحيدُ صفوفها ولمُّ شملها هدف أساس، لا يساويه أو يعلو عليه هدف إلا الإيمان بالله –جل شأنه-.
فياليت قومي يعلمون.
[1] – أي أسكن وأطيل القيام في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية، وأخفف في الأخريين.