Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الإسلام والبرامج السياسيَّة (2) الاستعلاء الإيماني

الاستعلاء الإيماني

الحلقة الثانية

أ.د: طه جابر العلواني

جاء في سورة آل عمران وهي تحاول أن تعيد الإحساس بالأمل والشعور بأن خسران جولة في معركة لا يعني الهزيمة المطلقة للأمَّة، بل يعني أنَّ هناك ثغرة أو خللًا أوتيت من قبله، وأنَّ عليها أن تعالجه، فإذا عالجته واستقام شأنها فستعود لحالة الانتصار والقدرة وتجاوز الهزيمة مهما كانت مرارتها أو تعددت آثارها، فقال -جل شأنه- : ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران:139)، فمصدر الاستعلاء والنصر وشحذ الهمم وتمكينها من إعادة البناء مصدرها الإيمان، وما دام الإيمان موجودًا فالأمل كبير في العودة إلى النصر بعد الهزيمة، والتقدم بعد التراجع، والاستعلاء على الأعداء بعد الخذلان والسقوط أمامهم.

فالإيمان سوف يجدد الخلايا الميتة في أجساد المؤمنين وعقولهم وقلوبهم، ويعيدها إلى الحياة من جديد: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأنعام:122). وما دام الأمر كذلك، فلا ينبغي الاستسلام لآثار الهزيمة واعتبارها هزيمة نهائيَّة، هذا الاستعلاء يجعل جند المؤمنين قادرين على استعادة الثقة بدينهم، وبإيمانهم، وبالنور الذي أنزل إليهم، ثم بأنفسهم وطاقاتهم وقدراتهم على الانتصار من جديد.

وهذا الاستعلاء له شروطه وضوابطه التي لا يمكن له أن يتحقق بدونها، لكن بعض أهل الإيمان يظنون أنَّ استعلاء المؤمنين هو استعلاء حتمي مقترن باسم الإيمان، وما دام اسم الإيمان قائمًا به، ولقب الكفر أو الانحراف أو الشرك أو النفاق قائمًا بخصومه ومعارضيه؛ فالنصر حتمي له، مهما فرَّط أو قصَّر في استيفاء شروطه وضوابطه، وهذا خطأ عظيم يسقط به كثير من الدعاة والمخلصين، فكثيرًا ما يتحول إلى غرور واستعلاء فارغ ليس له ما يبرره، واحتقار لخصومه وقواهم؛ مما يجعلهم يفرطون باستعداداتهم وتوفير الطاقات اللازمة للقيام بما ينبغي عليهم أن يقوموا به، والاتصاف بما ينبغي عليهم الاتصاف به.

وكثير من خصومهم اليوم ينفذون من مثل هذه الثغرات السلوكيَّة والفكريَّة؛ للنيل منهم وإرباك صفوفهم، وعزلهم عن الجماهير العريضة وامتداداتها في الأمَّة المخاطبة، ومن هنا كان واجب مراقبة النفس ومحاسبتها ومراجعة الأفكار والسلوكيَّات والتصرفات… فكل هذا جزء من منظومة التعبد والتزكي التي ينبغي أن يمارسها المؤمن بدقة، فيرصد كل ما يطرأ لديه من مشاعر وأفكار، ويختبرها بين الحين والآخر، ولقد عرف عصرنا وسائل عديدة لتقييم الأفعال والخطط والسياسات والبرامج ومراجعتها بدقة بين حين وآخر، وفقًا للمرجعيَّة التي حدث الالتفاف حولها والانطلاق منها.

لقد كان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يستغفر الله في اليوم والليلة ما يزيد عن سبعين مرة، وحين قيل له: “إنَّك قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر”، كان يقول: “أفلا أكون عبدًا شكورًا”. وربَّى –صلى الله عليه وآله وسلم- أصحابه على ذلك وعلمهم ذلك، فصاروا إذا رأوا ضالًّا أو منحرفًا أو منافقًا حمدوا الله وشكروه أن هداهم للإيمان، وبرَّأهم من النفاق، وزكاهم وطهرهم، ولم يقولوا ما قال قارون: ﴿… إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي … (القصص:78).

 فما أحوجنا اليوم وما أحوج دعاتنا كافَّة إلى إحياء هذه السلوكيَّات وهذه الأخلاق وإعادة تربية النفس وتكوينها؛ لئلا نُؤتى من ثغرات نفوسنا وكثرة عيوبنا وقلة مراجعاتنا.

والله ولي التوفيق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *