أ.د.طه جابرالعلواني
أقلّب طرفي في اليوم والليلة بين ثلاثين إلى أربعين فضائية؛ بعضها لطوائف تنتسب إلى محيط الأمة الواسع، وبعضها يُنسب الى طوائف تمّ إخراجها بشكل أو بآخر من حظيرة الكيان الاجتماعي الإسلامي؛ مثل «القاديانة».
ولقد سمعت حديثًا قدسيًّا كان يرويه أحد علماء الشيعة في فضائية من تلك الفضائيات الكثيرة، والتي تم تحويلها إلى مجالس عزاء تعلّم الناس اللّطم وشقّ الجيوب وضرب السلاسل وفيما تعلمه كذلك ما تسميه أحاديث و أخبار نبوية. ويبدو أن الجماعة الهواة الذين يحبون الأخبار لم يعد يكفيهم أن يلصقوا تلك الأحاديث بالرسول الكريم -صلّى الله عليه وآله وسلّم- فحسب، بل صاروا يرفعونها إلى الله -جلّ شأنه- فتسمى بأحاديث قدسية، زيادة في خداع العامة بصحتها. ولقد روى لنا على الهواء أحد هؤلاء ال….. الحديث التالي عن كتاب عنوانه «مصابيح الأنوار»، فقال فضّ الله فاه: “الحديث الثامن والخمسون، ما رويناه عن ثقة الإسلام الكليني، في الكافي، عن علي عن أبيه والعِدﱠة عن البرقي جميعًا عن أبيه، عن خلف بن محمد بن حماد الكوفي، قال: تزوج بعض أصحابنا جارية معصرًا لم تطمث بعد (يعني أنها في الثامنة أو دونها!)، فلمّا افتضها سال الدم فمكث سائلًا لا ينقطع نحوًا من عشرة أيام، قال: فأروها القوابل ومَنْ ظنّوا أنّه يبصر ذلك من النساء، فاختلفن. فقال بعضهن هذا من دم الحيض وقال بعضهن هو من دم العذرة (أي: البكارة)، فسألوا عن ذلك فقهاءهم (أي فقهاء السنة كأبي حنيفة وغيره) _قالها بسخرية لا تطاق_ فقالوا: هذا شيء قد أشكل، والصلاة فريضة واجبة، فلتتوضأ ولتصلّي وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض (الطهر)، فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة، وإن كان دم العذرة كانت قد أدّت الفريضة. قال أخونا راوي هذا الحديث عن الكليني، ففعلت الجارية ذلك. قال الراوي: فحججت في تلك السنة، فلما صرنا بمنى بعث إليّ أبو الحسن موسى (أي الكاظم الذي هو أحد الأئمة الاثني عشر)، فقلت: جُعلت فداك، إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعًا، فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك وأسألك عنها، فقال: إذا هدأت العيون وانقطع الطريق فأقبل إن شاء الله. قال خلف (الراوي): فراعيت الليل، حتى إذا رأيتُ الناس قد قلّ اختلافهم في منى توجّهت إلى مضربه، فلما كنت قريبًا منه إذا بأسود قاعد على الطريق، فقال: مَنْ الرجل؟ قلت: مِنْ الحجاج، فقال: ما اسمك؟ قلت: خلف بن حماد ، قال: ادخل بغير إذن، فقد أمرني الإمام أن أقعد ها هنا، وإذا أتيت أذنت لك، فدخلت فسلمت فرد السلام وهو جالس على فراشه وحده وما في الفسطاط غيره، فلما صرت بين يديه سألني وسألته عن حاله، فقلت له إن رجلًا من مواليك تزوّج جارية معصرة لم تطمث، و قص عليه الأمر، و بعد أن فرغ قال الإمام: فلتتقِ الله، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها زوجها، وإن كان من العذرة (أي البكارة) لتتوضاء ولتصلي وليأتها بعلها إن أحب ذلك، فقلت له: يا إمام، وكيف لهم أن يعلموا مما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟ قال: فالتفت يمينًا وشمالًا في الفسطاط مخافة أن يسمع أحد كلامه، ثم نهد (أي: نهض) إليّ فقال: يا خلف، سر الله فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا الخلق دين الله، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال، ثم عقد له بيده اليسرى تسعين، ثم قال الإمام: تستدخل القطنة ثم تدعها مليًّا (بعض الوقت) ثم تخرجها إخراجًا رفيقًا، فإن كان الدم مطوقًا في القطنة فهو من العذرة، وإن كان مستنقعًا في القطنة فمن الحيض، قال خلف: فاستخفّني الفرح فبكيت، فلمّا سكن بكائي قلت: جعلت فداك، مَنْ كان يحسن هذا غيرك، قال: فرفع يده إلى السماء وقال: إني ما أخبرك إلا عن رسول الله عن جبريل عن الله”.
فهل ترون شيئًا يمكن أن يعتبر مسيئًا لرسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وللأمة وللأسلام وللمسلمين أكثر من هذا..! وأي فيلم و أيّة رواية شيطانية يمكن أن ترقى لهذا المستوى من مستويات التخريب في الإسلام من داخله، وهل يستطيع المسلمون أن يدركوا أن أخطر أمراضهم إنّما هي فيهم، وهل يستطيعون أن يفهموا قول الشاعر الحكيم:
| مَا يَفْعَلُ الأَعدَاءُ فِي جَاهِل | مَا يَفْعَلُ الجَاهِلُ فِي نَفْسِهِ |
ألا ترون معي أنّ كل هذه الاكتشافات من فضائيات وغيرها قد حوّلها بعض ممن ينتسبون إلى ديننا إلى نقمة بعد أن كانت نعمة..! إنّ تراثنا -بالتأكيد- لا يمكن أن يقدﱠم كما هو إلا بعد تنقيته وغسله وغسل بعضه سبع مرات إحداهم بالتراب… فاللهم ارحم أمّة محمد!