Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

العقل الحركيّ بين الاحتواء والاختراق

أ.د.طه جابر العلواني

لقد عرف عصرنا الحديث أنواعًا من الحركات السياسيَّة؛ يُطلق على بعضها حركة وأحيانًا جماعة وأحيانًا حزب وأحيانًا أخرى منظمة. وحين تتسع هذه الحركات قد يُطلق عليها تيار. ومن السلبيَّات الخطيرة التي رافقت الاستبداد واتصلت به ما يعرف بالعمل السريّ؛ فقد كانت حركات سياسيَّة كثيرة في عصور الاضطهاد والاستبداد تلجأ إلى ما عُرف بالعمل السري أو التنظيمات السريَّة؛ وهذا النوع من التنظيمات يعتبر من أخطرها وأكثرها عرضة للاحتواء والاختراق. وفي مقابل ذلك نجد أجهزة المخابرات لأعداء هذه الأحزاب السريَّة أو الحركات تُطوّر أساليبها لمكافحتهم باستمرار، في محاولة منها لاختراقها أو احتوائها وتوجيهها وجهة أخرى غير التي خطط أصحابها لها، وبعض هذه التنظيمات السريَّة قد تشكل لها قيادة من أعدائها دون أن تشعر، مستفيدين -هؤلاءالأعداء- من فكرة العمل السري وما ينبغي أن يحاط به من حذر لئلا ينكشف، وهنا تجد أجهزة الاستخبارات -المعادية لهذه التنظيمات- ضالتها، فقد تدس على هذه التنظيمات شخصيَّات توصلها أحيانًا إلى قيادة التنظيم؛ كما حدث في قضيَّة «كوهين» الذي لم يُكتشف في سوريا أنَّه عميل إسرائيليّ إلاّ بعد أن اقترب من الحصول على منصب أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث السوريّ. فتصور كيف تدرّج هذا المدسوس ليقطع كل تلك المراحل ويصبح الرجل الثاني في الحزب، بحيث يستطيع أن يقود الحزب ويوجهه في الاتجاه الذي تريده الموساد والاستخبارات الإسرائيليَّة.

وهناك حوادث كثيرة استطاع فيها متسللون اختراق قيادات عديدة في عالمنا الإسلاميَّ وفي غيره، ومَنْ يُكتشف من هؤلاء إنَّما يكتشف نتيجة خطأ في شيء ما، وإلا فإنَّ مثل هؤلاء يحاطون بكل الضمانات التي يمكن أن تجعل من عمليَّات اكتشافهم عمليَّات صعبة أو شبه مستحيلة.

وما من عمل سريّ إلا وقد تم اختراقه بشكل أو بآخر؛ حدث هذا لحركات قوميَّة وشيوعيَّة وبعثيَّة وإسلاميَّة وغيرها. ترى كم من «كوهين» وأمثاله ما يزالون يسرحون ويمرحون في تنظيمات وحركات عديدة، متخذين من غفلة الناس وسذاجة بعضهم وتهافت بعض القيادات على الرغبة في الوصول إلى مصادر القوة والسلطة -تمهيدًا للوصول إلى السلطة ذاتها- وسيلة لتحقيق أهدافهم؟

إنَّ بني إسرائيل -قديمًا وحديثًا- كانوا من أمهر الناس في عمليَّات الاحتواء والاختراق العقليّ، فلطالما اخترقوا عقول قادة القبائل العربيَّة في الجزيرة؛ ليجندوها ضد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلَّم- ومَنْ آمنوا به. وقد قصَّ القرآن الكريم علينا كثيرًا من ذلك، وشرح وبيَّن كثيرًا من أساليبهم في الاحتواء والاختراق فيما مضى، وما زالت هذه القدرة لديهم وما زالوا من أقدر الناس على توظيفها، وقد أضافوا -لما ورثوه من التاريخ- الخبرات العلميَّة والتقنيَّة المعاصرة، فلا غرابة إذا وجدناهم من أقدر الناس على اختراق الفئات والمنظمات السريَّة، أيًّا كانت خلفيَّاتها الفكريَّة وأهدافها.

ولا يمكن إيقاف هذه الظاهرة إلا بنبذ جميع أنواع العمل السريّ، والتعاهد العام على أنَّ العمل السريّ مرفوض في أي مجال وعن أي أحد صدر، وتزويد شبابنا بثقافة ووعي يحول بينهم وبين الانقياد إلى المجهول، والسير وراء مَنْ لا يُعرف أو مَنْ لا يوثق من أناس لهم القدرة على التوثيق والتضعيف، والتعديل والتجريح. وإلا فسنجد أنفسنا بين الحين والآخر نكتشف من البلايا والاختراقات والاحتواءات ما يشيب له الولدان.

فمن أراد أن يخدم أمَّته أو وطنه فليعلن وليجاهر وليظهر ولينشر أفكاره، فما من نبي ولا رسول أسّس أو أصَّل لهذا الذي يعرف بالعمل السريّ، بل كانوا يأتون الناس في مجامعهم ويعلنون أهدافهم دون مواربة، والناس لا تتفاعل مع أفكار يطلقها المجاهيل، وقد رفضت أمتنا قبول أحاديث المجاهيل ورواياتهم وأخبارهم، والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *