Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

عيد الفطر وأول رئيس من الذين استضعفوا

أ.د.طه جابر العلواني

أول عيد يمر علينا في مصر ولنا رئيس من الذين استضعفوا في الأرض، وإذا به يصبح إمامًا. وقد رأى فرعون وهامان وجنودهما الأحياء ما كانوا يحذرون. وأهم ما في وجود رئيس من المستضعفين أن يشعر بأنَّه كما جاء من السجن فإنَّه يمكن أن يُعاد إليه؛ لذلك فينبغي أن يلتجئ إلى الله –جلَّ شأنه- ويفر إليه، وينصف المظلوم ويتحرى العدل في الظالم ويعمل على تعويض الأمَّة عما فقدته خلال عقود طويلة، وعلى ردِّ اعتبار المستضعفين وإنزالهم منازلهم، وإشعار الآخرين بأنَّ هذه الدنيا لا تدوم لأحد، وأنَّها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.

أول عيد يمر بعد أحداث دامية في سيناء، وقد أشارت أصابع الاتهام فيها إلى الظاهر وتركت الباطن؛ مثل أولئك الذين يرون الثور في المصارعة يسقط فينشغلون بالكلام عن لون الخرقة التي كان المصارع يتراقص فيها أمام الثور وينسون مصادر السهام الحقيقيَّة التي اخترقت جسم الثور وجعلته ينزف من كل مكان حتى خارت قواه وتهاوى. إنَّ سيناء أمانة الله في عنق كل مصريّ ومصريَّة، نيابة عن الأمَّة العربيَّة والأمَّة الإسلاميَّة كلّها، فسيناء تتصل بالأرض التي بارك الله فيها وحولها، وفي سيناء البقعة المباركة التي تلقّى سيدنا موسى وأنبياء كثيرون فيها الوحي الإلهيّ، وانطلقوا يدعون أممهم إلى اتِّباعه والتمسّك به، وسيناء. -إضافة إلى ذلك- ما يزال باطنها بكرًا لم يكتشف، وكل العلماء ذوي العلاقة بالجيولوجيا وما إليها يؤكدون أنَّ هذه الأرض المباركة تنطوي على كنوز كثيرة جدًّا، لو اكتشفت لعادت على مصر وعلى المنطقة بل وعلى العالم بالخير العميم. وقد كنا نتصور أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد عاقبنا على إهمالها بأن ذهبت -في فترة متقاربة من الزمن- من أيدينا مرتين؛ مرة في حرب 1956م وأخرى في 1967م، وكادت تنقطع آمالنا في استعادتها، ولكنَّ الله –جلَّ شأنه- قد أعادها إلينا مرة أخرى ليبلونا ويختبرنا، وجعلنا خلائف فيها وعليها؛ لينظر ماذا نحن فاعلون؛ أنهملها كما فعلنا فيما مضى، أم نعض عليها بالنواجذ ونقوم بإحيائها وإعمارها؟

لكن حتى اليوم كلما أُعلن عن مشروع في سيناء نجده قد حُوِّل إلى الأدراج وأغلق عليه. والآن نجد فيها بعض مصانع الأسمنت، وجامعة واحدة صغيرة، وبعض المرافق البسيطة، ونسمع كلامًا كثيرًا عن عرب سيناء وبدو سيناء وما شاكل ذلك، وكان الأمل أن توصل المياه إليها، وتستصلح أراضيها، ويستفاد منها في تخفيف الاختناق السكانيّ الذي تعاني القاهرة منه وتشكو، مع أنَّ سيناء لو استصلحت فإنَّ الأمل كبير بأن تستوعب ملايين كثيرة من أبناء شعب مصر، بل وتزيد في موارد البلاد، وتغيّر من طبيعة اقتصادها، وتضفي على البلاد أهميَّة كبيرة في جذب أموال المستثمرين في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة وسائر أوجه النشاط الاقتصاديّ.

إنَّنا ننادي رئيس حكومة المستضعفين وحكومتَه أن يضعوا عمليَّة استصلاح سيناء وإحياء الموات فيها، والاستفادة من كل شبر من أراضيها في قمة أولويَّاتهم، وأن تنقل إلى سيناء فورًا بعض الوزارات والإدارات الرسميَّة لتجعل منها محور اهتمام الجميع. ولا بد من تشجيع الشباب من خريجي الجامعات للانتقال إلى سيناء، واستصلاح أراضيها، وتقديم الحوافز اللازمة لذلك. إنّ في استطاعة الجيش الميداني الثالث وبقيَّة القوات المسلحة أن تساعد في تدريب الشباب على استصلاح تلك الأراضي، وإحياء مواتها، وإعمارها، وتخفيف الاختناق الموجود في المدن الكبرى؛ وذلك بالمشي في مناكب سيناء والاستفادة بها، وقد يكون من المناسب أن يبدأ باسترداد جميع الأموال التي سرقها أو اكتسبها رجال العهد السابق والعمل على استثمارها في سيناء وتطويرها، وإنهاء حالة البداوة وفكرة (البدو الرُّحَّل) نهائيًّا من تلك المنطقة؛ وذلك ببناء الكفور والنجوع وتيسير سكناها والعيش فيها وإيجاد أنواع من الأعمال المشروعة التي تغني الناس عن الوقوع في براثن تجَّار المخدرات والأسلحة وما إليها.

إنَّنا لا نريد أن يهيئ أعداؤنا للرأي العام الدوليّ أنَّ سيناء أصبحت -في ظل انشغال الدولة المصريَّة بالتغيرات السياسيَّة- مصدر خطر على الدول المتاخمة لها، فيجد أعداؤنا الفرصة للانقضاض عليها للمرة الثالثة خلال عقود معدودات، فإنَّنا نخشى أنَّه لو حدث هذا فلن يخرجوا منها بمثل ما خرجوا فيما مضى.

إنّنا في أول عيد يرأس البلاد فيها أحد المستضعفين ننتظر منه ومن حكومته أن ينهي الظواهر التالية:

  • ظاهرة أولاد الشوارع، ومفترشي الأرصفة.
  • ظاهرة سكّان القبور لإعادة المقابر إلى أصحابها الموتى، وإسكان هؤلاء مساكن أحياء ملائمة، ولا بد في هذه الحالة من توزيع جغرافيّ منصف يشمل سيناء واستصلاح الأراضي الصحراويَّة والواحات وما إليها.
  • ظاهرة التكدس في المدن الكبرى وهجر الأرياف وإهمالها، وهي ظاهرة عالميَّة عانى العالم كلّه منها وما يزال، ولكنَّ كثيرًا من بلدان العالم قد استطاعت أن تكتشف بعض الحلول لظاهرة الهجرة من الريف إلى المدينة، والتي إن لم تخضع لضوابط دقيقة وموازين حكيمة فإنَّها تؤدي إلى تدمير الريف بالإهمال وتدمير المدن بالاكتظاظ السكانيّ، وما يصحبه عادة من انخفاض في مستويات الخدمات والتعليم والمجال الصحيّ والرقابيّ وما إلى ذلك.
  • إنصاف موظفي الدولة والقطاع الخاص معًا، وإيجاد نوع من التناسب بين حالات التضخم الاقتصاديّ ومرتبات هؤلاء، بحيث تتوقف عمليَّات الاعتصامات والإضرابات وقطع الطرق وسائر الظواهر السلبيَّة التي إن هي استمرت فستذهب بهيبة الدولة، ولن يكون سهلًا بعد ذلك استرداد تلك الهيبة.
  •  ظاهرة البيروقراطيَّة والرشوة والفساد الإداريّ وما تحتاجه من جهود للإصلاح، ونحن نعلم أنَّ الحكومة وحدها لن تكون قادرة على القيام بهذه الواجبات، بل لا بد من إشراك الشعب كلّه فيها؛ ولذلك فإنَّ إيجاد قيادات للأزهر والجامعات والإعلام، قادرة على حث الشعب على المشاركة بكل طاقاته وقواه هو أمر في غاية الأهمية؛ ولذلك فلا بد من الحصول على دماء جديدة لقيادة الجامعات؛ وفي مقدمتها الأزهر والأوقاف والمساجد، وكل مؤسّسات المجتمع المدنيّ، وتشكيل الرأي العام وقياداته، وهناك تجارب عمليَّة في العالم يمكن اقتباس بعضها والاستفادة به.
  •  استنفار الشعب كلّه تجاه التكافل، بحيث لا يسمح بقيام ظواهر مثل ظاهرة انكباب بعض المحرومين على القمامة بحثًا عمَّا يسدون به جوعهم.
  •  كذلك نأمل أن تحقق هذه الحكومة الآمال في إعادة شرايين الحياة الاقتصاديَّة بيننا وبين العالم العربيّ والإسلاميّ، والعمل على إيجاد شبكات من المواصلات والاتصالات بيننا وبين محيطنا الجغرافيّ وعمقنا الاستراتيجيّ.

نحن نعلم أنَّ هذه الظواهر كلّها وما قد نضيفه إليها من عشرات السلبيَّات الأخرى تحتاج إلى تكافل شعبي، وتضافر لا بد أن تشارك كل أجهزة التربية والتعليم والإعلام في صياغة ثقافته وإنماء الدوافع لتحقيقه، فإذا جاء العيد القادم بعد عام ورأينا أنَّنا قد تقدمنا ولو عدَّة خطوات تجاه معالجة ما ذكرنا فذلك يعني أنَّنا صائرون إلى خير، وسيكون الله -جلَّ شأنه- في عوننا: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ …﴾ (الأعراف:96). إنَّ هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذه المناسبة، لكن المطلوب الآن هو أن نبدأ خطوة الألف ميل، لعل الله -جلَّ شأنه- ييسّر لنا بلوغ غايتها… والله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *