Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تحوّلات الساحة الفقهية وضرورة المنهج الضابط

أ.د.طه العلواني

        التحولات في المواقف الفقهية، أو مواقف الفتوى نتيجة تغير القناعات، أو تغير الظروف، أو تغير المصالح وزوايا النظر، أو بروز مستجدات أو عوامل نتيجة سيرورة الحياة وصيرورتها؛ كل ذلك أمور حسب لها الفقهاء من سائر المذاهب حسابها، وضمّنوا” أصول فقههم” ما يمكن الاستناد إليه لإضفاء الشرعيّة، على الجديد من الفتاوى والمذاهب والمواقف الحادثة، كما منح ما سبق  من فتاوى ومذاهب وأقوال تلك الشرعيّة التي قد تدفع الشرعيّة الحادثة وتزاحمها.

        وعرف الفقهاء أثر عمر-رضي الله عنه- وتداولوه، وهو قوله: “ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي” وأصَّلوا ” للمقاصد والمصالح والأعراف والعادات والضرورات وقواعد غلق أبواب الذرائع، وعموم البلوى، ولا ينكر تغيّر الأحكام بتغيُّر الأزمان، والمخارج والحيل والضرورات وجلب المصالح، ودرء المفاسد وما إلى ذلك”.

        وحين ينطلق الفقيه في إلباس كل ما في الحياة الجلباب الفقهي فإنه سوف يجد نفسه مضطراً إلى اللجوء إلى ذلك-كله-مضافاً إليه كلّ ما قد تأتى به الأيام من منطلقات مماثلة، وحين تكون الفتوى جزئية، ورخصةً من عالم تقي إلى مستفتٍ حريص على ألاَّ يجاوز المشروع، فالخطب هيِّن، لكنه حين يقع التعميم، ويسود الإطلاق في هذه الأمور فإن هناك كثيرًا من الظواهر الفكريَّة السلبيَّة قد تبرز في المجتمع نتيجة تلك الفتاوى من بينها:

  • تداخل المساحات بين الثابت والمتغيِّر، وارتفاع الحواجز بينهما.
  • تفشِّى النظر الجزئي إلى الأمور، وإشغال الأمة بالمسائل الجزئيّة عن قضاياها الأساسية.
  • تكريس أفكار الخلاص الفردي.
  • انتشار الاختلافات، والجدل فيه، واختلاف المواقف منها.
  • تفتيت أيّة مرجعيّات جماعية قائمة، وترك الناس في فوضى لا حدود لها وإفساح المجال للمرجعيات الفرديّة المشتّتة والممزقة للأمَّة.
  • تكريس اتجاهات التقليد والمتابعة، وتنفيس الأزمات، وجعل العامة تتوهم أنها قد قامت بما عليها ما دامت قد تابعت الفتوى وأخذت بقول الفقيه. وفى ثقافتنا من الأمثال الشعبيَّة والمقولات ما يشير إلى جوانب سلبيَّة كثيرة في هذا المجال مثل “قلّد العالم واخرج وأنت سالم”.
  • اختزال عظائم الأمور وتحجيمها لحساب تضخيم دور الفتوى والبيان ورسائل التأييد أو الشجب والاستنكار وما إلى ذلك مما لا يغنى من الحق أو الواجب أو المطلوب شيئاً.
  • بعد أن كانت الفتوى رخصة من تقي لمكلّف في حاجة لمعرفة الموقف المقبول شرعًا صارت في وسائل الإعلام الحديثة-كلها- فتاوى قابلةً للتعميم والقياس عليها، وسقطت الحواجز بين الفتاوى الخاصَّة، والفتاوى الفرديَّة وفتاوى الأمة.
  • استغلت بعض الفتاوى في عمليّات الصراع بين الفئات والأحزاب والطوائف والفرق، والحكام والمحكومين. واختفت الجوانب الموضوعيّة أمام الجوانب الشكليَّة والسجاليَّة.

ولقد ابتليت الأمَّة منذ ما يقرب من قرنين ونصف بفتاوى لم تؤدّ إلاّ إلى مزيد من الاضطراب والتفكُّك والاختلاف الذي أضرّ بالأمة، ومن هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر:

         1-مواقف العلماء من وصف الدار بالإسلام أو بالكفر وعلاقة ذلك بالأحكام الظاهرة فيها، ومتى وكيف يقضى بوصف الدار بالإسلام أو بالكفر، وما يترتب على ذلك من أحكام كثيرة بين متساهل يرى أن وصف الدار بالإسلام يكفى فيه أن تتاح الحريَّة لأفراد المسلمين لأن يمارسوا شعائر دينهم دون اعتراض عليهم، أو حد من حريتهم في ذلك؛ إلى ميسّر يرى أن هذا الوصف يتوقف على تطبيق الأحكام كلها، وإقامة الحدود. وكون الأمان فيها للمسلمين ولغيرهم صادراً عن المسلمين، لا عن سواهم.

      2-الحكم على المجتمعات “بالجاهلية أو بالإسلام” تبعا لتلك الأحكام الظاهرة. وإذا قيل “بجاهليّة مجتمع ما أو تحوله إلى الجاهليّة بشئ من ذلك” فهل هي “جاهليّة كفر” أو “جاهليّة معاص”؟! وكيف يزال الوصف الطارئ؟. علماً بأن للعلماء تفريقات دقيقة بين الجاهليتين يجهلها السواد الأعظم من المسلمين.

     3-وبما أن الأمرين السابقين يرتبطان “بتحكيم الشريعة” أو عدم تحكيمها، فما حكم تطبيق قوانين وضعيّة بدلاً من الشريعة، وما أثر ذلك في وصف المجتمع، ووصف الحاكمين والقضاة والمحامين ووكلاء النيابة، والمتحاكمين بهذه القوانين الوضعيّة؟؟  وهل يوصف المطبِّقون لتلك القوانين الوضعيَّة بما يعرف “بالكفر الأكبر” المخرج من الملَّة، أم يوصفون “بالكفر الأصغر وبالفسق”؟ وهل يشترط استحلال ذلك للوصف بالكفر الأكبر؟ أم لا يشترط ذلك؟ وهل يقاس المسلمون الذين تقع في بلدانهم هذه الأمور، ويتحاكمون إلى هذا النوع من القوانين على أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله؟ فيحكم عليهم بالكفر أو الجاهليَّة وأي كفر وأيّة جاهلية؟ وكيف يتم تحديد العلاقة في ضوء ذلك بين الحكام والمحكومين؟ وقضايا “السمع والطاعة والخروج والافتئات والاعتزال والمشاركة السياسية والعسكرية وسواها في ظل ذلك؟

          وهل يتحول المسلمون الملتزمون بالأحكام الإسلامية في سائر المجالات إلى أقليَّة في بلاد المسلمين إذا سادت هذه الأحكام، وماذا يعنى ذلك؟

         وإذا أعلن بلد من البلدان عن إقامة الأحكام، وتطبيق الحدود فهل تجب على المسلمين في البلدان الأخرى الهجرة إليه؟ وإذا وقعت حرب بين بلدانهم ومواطنهم الأصليَّة، وذلك البلد فما موقف هؤلاء من الولاء والبراء، وهل يجب عليهم مناصرة ذلك البلد على بلدانهم الأصليَّة، وما أدلة كل من القولين؟.

         إنّ المعالجات الجزئية لمثل هذه القضايا بعيداً عن منهج ضابط مثل “المقاصد القرآنية العليا الحاكمة ومنهجيَّة القرآن المعرفية” قد وشتت أنظار الأمة عن الآثار والأولويات والمآلات التي يمكن لتلك الفتاوى أن تؤدّي إليها.

رأي واحد على “تحوّلات الساحة الفقهية وضرورة المنهج الضابط”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *