د.طه العلواني
لعلّ قضية الأمة وتخلّفها عن اللحاق بركب الحضارة والمدنية، وتفشّي الجهل بين أبنائها، وغفلتها عن كتاب ربها، وتفرّقها بدل وحدتها، وتداعي الأمم عليها من أهم القضايا التي توجّه الفكر إلى القرآن الكريم بصورة تجعله مهيمنًا على واقع الحياة والمجتمعات الإسلامية من خلال تنزيل النص على الواقع، أو الربط بينهما بصورة تشعر المسلم أنه يعيش في أجواء النص القرآني، وأن النص قريب من همومه وإحساسه، وقضاياه ووجدانه.
إن على المسلم أن يدرك ألاّ دواء للأمة إلا بالعودة إلى القرآن، لأنه المصلح الأعظم، والمرشد الأقوم الذي لا يصلح حالها إلا به، وإن البعد عنه بعد عن الله سبحانه وتعالى. وينبغي لكل فرد أن ينظر في نفسه وأن ينظر في القرآن، ويزن به ما هو عليه من العقائد والأخلاق والأعمال، فإن رجح به إيمانه فهو مسلم حقيقي، وإلا فليسع فيما يكون به الرجحان. إن الاستهداء به واجب على كل مكلف في كل زمان ومكان، وأن يطال نفسه بفهمه والعمل به.
وإن من أهم أسباب ضعف الأمة جهلها بالسنن الإلهية، وما ضاع ملكها وعزها إلا بجهلها الذي كان سببًا لعدم الاهتداء بها في العمل، وما كان سبب هذا الجهل إلا الإعراض عن القرآن ودعوى الاستغناء عن هدايته بما كتبه لهم المتكلمون من كتب العقائد المبنية على القواعد الكلامية المبتدعة، وما كتبه الفقهاء من أحكام العبادات والمعاملات المدنية والعقوبات والحرب وما يتعلق بها.[1]
ويبين أنّ العلم بسننه تعالى في خلقه وسيلة ومقصد، وأنه أعظم العلوم التي يرتقي بها البشر في الحياة الاجتماعية المدنية، فيكونون بها أعزاء أقوياء سعداء، وأن الأمة الإسلامية قادرة على أن تنهض من كبوتها إذا ما وقفت على سنن الله في الخلق.
“إن إرشاد الله إيانا إلى أن له في خلقه سننًا يوجب علينا أن نجعل هذه السنن علمًا من العلوم، لنستديم ما فيها من الهداية والموعظة على أكمل وجه، فيجب على الأمة بمجموعها أن يكون فيها قوم يبينون لها سنن الله في خلقه، والعلم بسنن الله تعالى من أهم العلوم وأنفعها”.[2]
ويؤكد أهمية السنن الإلهية وضرورة وعيها والعمل بموجبها بوصفها من أهم السبل للخروج من أزمة التخلف والتراجع التي تشهدها مسيرة الأمة، ويبين مفهوم قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ (الرعد:11). وأن الله جعل بقاء الأمم ونماءها في التحلي بالفضائل، وجعل هلاكها ودمارها في التخلي عنها، سنة ثابتة لا تختلف باختلاف الأمم، ولا تتبدل بتبدل الأجيال كسنته تعالى في الخلق والإيجاد، وتقدير الأرزاق، وتحديد الآجال.
يقول: “علينا أن نرجع إلى قلوبنا ونمتحن مداركنا، ونسير أخلاقنا ونلاحظ مسالك سيرنا، لنعلم هل نحن على سيرة الذين سبقونا بالإيمان؟ هل نحن نقتفي أثر السلف الصالح؟ هل غيّر الله ما بنا قبل أن نغيّر ما بأنفسنا، وخالف فينا حكمه، وبدّل في أمرنا سنّته؟ حاشاه تعالى عما يصفون، بل صدقنا الله وعده، حتى إذا فشلنا وتنازعنا في الأمر، وعصينا من بعد ما أرى أسلافنا ما يحبون وأعجبتنا كثرتنا فلم تغن عنا شيئًا، فبدّل عزنا بالذل، وسمونا بالانحطاط، وغنانا بالفقر، وسيادتنا بالعبودية، نبذنا أوامر الله ظهريًا، وتخاذلنا عن نصره، فجازانا بسوء أعمالنا ولم يبق لنا سبيل إلى النجاة والإنابة إليه، كيف لا نلوم أنفسنا ونحن نرى الأجانب عنا يغتصبون ديارنا، ويستذلون أهلها، ويسفكون دماء الأبرياء من إخواننا، ولا نرى في أحد منا حراكًا؟”.
[1] من كلان السيد رضا، تفسير المنار، انظر: ج1، ص: 82-83، 450.
[2] نقلاً عن شيخه الأستاذ: محمد عبده.