Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

إلى أسر الشهداء وشيخهم الشهيد عماد عفت

أ.د.طه جابر العلواني

سألني سائل عن معنى الشهيد؛ فقلت له: إنَّ القرآن المجيد قد أوضح لنا معنى الشهيد في آيات عديدة فهمنا منها أنَّ الشهيد مَنْ تشهد الملائكة نفسه وهي تُزَف إلى بارئها، فيشهد الله -جلَّ شأنه- لها بالجنَّة، ويمنحها حياة من نوع آخر، غير الحياة التي مارستها؛ ولذلك نهانا الله -جلَّ شأنه- أن نحسب الشهداء أمواتًا فقال: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:169-171)، فأيّ شرف هذا الذي يناله مَنْ تشهد الملائكة ارتفاع نفسه إلى بارئها، وتحمل الملائكة تلك النفس الطاهرة لتضعها بين يدي بارئها: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ (الفجر:27-30).

إنّ ما جاء في كتاب الله وفي سنَّة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلَّم- في الشهيد والشهداء لا يُبقي مجالًا واسعًا لتقسيمات الفقهاء وتعريفاتهم التي طالت وكثرت. وإذا أردت أن أستخلص تعريفًا من آيات الكتاب الكريم وبعض المبشرات النبويَّة للشهداء وأهليهم أستطيع القول: إنَّ الشهيد إنسان حي بين أموات، يدفعه وعيه وإيمانه وإخلاصه إلى بذل النفس البشريَّة التي بين جنبيه من أجل حياته وحياة الآخرين، فهو إنسان يقدم نفسه حين تقسو القلوب ويطول الأمد ويتشبث الناس بالحياة العضويَّة ومتطلباتها ومستلزماتها، فيزهد الشهيد حينها بنفسه فيبيعها لله رخيصة؛ ليسقط باطلًا ويقيم حقًا، ويهدم استبدادًا ويغرس عدلًا، فيدمر فسادًا ليزرع صلاحًا، ويدفع نفسه فداء لقيم، ولتكون نفسه سراجًا يساعد في إخراج الناس من ظلمات استبداد وموت وذل، ومن فساد وجور وظلم وبغي، إلى أنوار العدل ومشارق الحريَّة.

إنّ الشهيد إنسان يرتدي ثياب الموت حمرًا عند سقوطه، فلا تلبث أن يحولها الله إلى ثياب من سندس خضر، الشهيد إنسان حي تعشقه الأرض؛ حتى إذا جاء الناس يدفنونه فإنَّه ما من بقعة طاهرة على وجه الأرض إلا وتتمنى لو أنَّها القبر الذي يضم ذلك الرفات الطاهر. إنَّ الشهيد حيُّ يهب الحياة لأموات؛ ولذلك فإنَّ دماء هؤلاء الشهداء أكبر من أي تعويض، وأهم من أي انتقام، إنَّك لو جمعت سائر مَنْ أسهموا في إراقة دم شهيد حتى بلغوا الآف، فإنَّ دماءهم كلّها لا يمكن أن تكون عوضًا أو كِفاءً لقطرة دم من شهيد؛ لأنَّ قطرة دم الشهيد روح حياة، ودماء هؤلاء جميعًا دماء ميتة، فليسوا سواء.

إنّ الشهيد لا يجالس في الجنَّة إلا النبيين، والصديقين، والذين أنعم الله عليهم من عباده الصالحين، الشهيد يشفع لعدد كبير من أهله وجيرانه ومعارفه، الشهيد روح تسري في الحياة؛ لتعيد لها الحياة حين تذوي وتذبل ويهددها الموت، الشهيد آية كبرى من آيات الله. فهل عرفتم من هو الشهيد؟ وهل عرفتم معنى الشهادة؟ وهل عرفتم لِمَ تأسف خالد بن الوليد -وهو يموت في حمص على فراشه- على عدم استشهاده في أيَّة معركة من المعارك التي خاضها، فقال: “لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ أو طعنة أو رَمْية، ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *