Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

رسالة إلى شباب الثورة

أ.د: طه جابر العلواني

أعزائي الشباب سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وكل يناير وأنتم بخير. لست مصريًّا إلا في دراستي ومرباي ومشيختي وصهري، هذه الأمور الأربعة أعطتني الجرأة على أن أكون واحدًا ممن يخاطبون شباب مصر في يومهم، وذكرى ثورتهم، ما الذي أود أن أقوله لهم؟

أولًا: تذكروا دائمًا أنَّ مصر كنانة الله في أرضه. والكنانة جعبة السهام، والسهام بحسب حامليها ومطلقيها تكون سهام خير أو غيره، فاحرصوا على أن تكونوا سهام خير من كنانة خير، تدحر الشر وتستهدف الباطل وتهدم الفساد، وتعلي من شأن الحق والخير والهدى.

ثانيًا: إياكم والإصغاء إلى الأراجيف والشائعات، فهي الوجه الآخر والأخطر لإعلام الشر الذي لا يريد بالناس خيرًا، ولا يسعى إلى أن يمنحهم فرصة استقرار، ويبذل كل جهده للتشويش على أصوات الإصلاح والمصلحين.

ثالثًا: اعلموا أنَّ دوركم هو إنجاز التغيير وإسقاط الفساد، فإذا فعلتم فصدِّروا ذوي الأحلام والخبرات والتجارب، وكونوا من ورائهم مراقبين لهم حماة لظهورهم متعلمين من تجاربهم مستفيدين من خبراتهم. وقديمًا قيل: “أكبر منك يوم أعقل منك سنة” وإذا أردتم الأمثلة من تراثنا الإسلاميّ فهو بين أيديكم، وتستطيعون رؤية مواقع الشباب من أبناء الأنصار والمهاجرين بين ذوي أحلامهم وقادة الرأي فيهم، فالآراء تنضج من قبل الخبراء، وذوي الأحلام والنهى، وينفذها الشباب ويحولونها إلى واقع بطاقاتهم المتوهجة وقدراتهم اللامحدودة. وقديمًا قيل: “اللي ملوش كبير يشتري له كبير” فينبغي أن نبحث عن الكبار وذوي الأحلام والنهى، ونعتصر خبراتهم وتجاربهم، ونعمل على توظيفها واستثمارها والاستفادة بها. وإذا أردتم مثالًا معاصرًا فانظروا إلى رجال الكونجرس في أمريكا، فقد يحيط كل منهم نفسه بعشرة أو أقل أو أكثر من الشباب الذين لم يتخرج بعضهم في جامعته بعد؛ ليكونوا من حوله يجمعون له المواد التي تشكل مادة مداخلاته في كل ما يعرض على مجلس الشيوخ، فيتعلمون منه وهم يحيطون به ويرونه كيف يمارس علمه ويمدونه بكل ما يستطيعون، فلا تمضي سنوات قلائل إلا وقد أصبح كل منهم كأنَّه سناتور (Senator) آخر يتصل زمنه بزمن السناتور (Senator) أو الشيخ الذي تعلم منه وصحبه وأفاده واستفاد به. ونحن في حاجة إلى اقتباس هذه الخبرة، وإنّي لأدعو جميع النوَّاب في مجلس الشعب أن يصطفي كل منهم خمس إلى عشر من شباب الثورة ليكونوا مساعدين له يقدمون له كل ما يجعله على صلة ووعي تام بأوجاع الشعب وهمومه واحتياجات ناخبيه. والمواقف المحليَّة والإقليميَّة من أهم القضايا، فيعينونه بمهامه ويستفيدون من خبراته وتجاربه ويكونون فيما بعد امتدادًا له.

رابعًا: إنَّ الفخر والخيلاء والدعاوى العريضة تنم عن رغبة في الظهور الرياء والتسلط، والرياء منافي للإخلاص، والله لا يصلح عمل المرائين كما لا يصلح عمل المفسدين، والذي يصلح إنَّما هو عمل المخلصين الذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا، والذين يؤمنون أنَّ العاقبة للمتقين.

خامسًا: احذروا أولئك الذين يقفون وراء حدود بلادكم لا يرقبون فيكم إلاًّ ولاذمّة يبغونكم الفتنة، وفيكم سمَّاعون لهم، إياكم وأن تغفل أعينكم أو عقولكم عنهم. إنَّهم الآن كالشياطين يجرون منكم مجرى الدماء، يعملون على التغلغل بينكم والإيقاع بينكم، وإيغار صدور بعضكم على بعض، ودفعكم إلى الاختلاف والتقاتل بأعذار مختلفة، ويعملون على تصعيد مخاوفكم لأنَّ ذلك يتيح لهم فرص التأثير السريع فيكم.

سادسًا: اعلموا أنَّ أحلى ما في مصر وأجمله وحدة شعبها، وعدم وجود مذاهب وطوائف مختلفة فيها. وهم يريدون أن يطوّروا الاختلافات الطفيفة الحزبيَّة والفئويَّة ويجعلون منها اختلافات حادة وحقيقية؛ لتفتيت الشعب الواحد والإيقاع بين بنيه، وتنزيل العذاب عليه من فوقه ومن تحت أرجله وإلباس هذا الشعب والتلبيس عليه، ليكون شيعًا، وفرقًا، وأحزابًا، ينازع بعضها بعضًا على رقابكم، وعلى الهيمنة عليكم والاستبداد بمقدراتكم، فاحذروا الفرقة وقاوموها ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإذا كان لابد من الاختلاف حول بعض الأمور فلابد من كبح زمامه بأدب الاختلاف، والحيلولة بينه وبين التفجر بالأخلاق العالية والإحساس بالأخوَّة، والانتماء إلى البلد الواحد والشعب الواحد ووحدة الأصل والغاية.

سابعًا: إنَّ هناك قومًا احترفوا إطلاق الرصاص ليزيدوا في توتر الناس ومخاوفهم، فاعلموا أنَّ ذلك أمر لا يقبله الإسلام ولا تبيحه المسيحيَّة، ففي زمن الفتنة والترقب وحالات التوتر تصبح مثل هذه الظواهر أمراضًا فتَّاكة، لا يليق بمؤمن ولا مؤمنة ولا مصريّ ولا مصريَّة ممارسة شيء من ذلك، ومن فعل فقد باء بإثمه وإثم من يتسبب بإزعاجهم ورفع حالات التوتر فيهم، وعليهم من الله ما يستحقون.

ثامنًا: إنَّ يوم الخامس والعشرين من يناير يوم من أيام الله. أرى الله فيه الناس كيف ينتصر الضعفاء على الأقوياء، وكيف تنهار القوة الغاشمة أمام الضعف الحكيم الهادف. علينا أن نستفيد الدروس والعبر منه في هذا المجال، وأن يتعظ المتطلعون إلى العلو والسلطة ويعلموا أنَّ الله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران:26)، وأنَّ الظلمة يتركون كل ما سرقوه وما نهبوه وراءهم ظهريًّا عليهم الحساب والعقاب وغيرهم يستفيدون مما جمعوا ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (الدخان:25-29).

تاسعًا: إنَّ محاولات الإيقاع بين الإسلاميّين وغيرهم، وبين الجيش والشعب، وبين قوى الأمن وقوى الشعب، كلُّ ذلك يصب في عمليَّات تكوين الفئات التي تعتبر خطوة أولى في إيقاد الحروب الأهليَّة. فالحروب الأهليَّة إذا وجدت طوائف وقوميَّات وما إليها وظفتها واستفادت بها كما في العراق، وإذا لم تجد نفخت في الفئويَّة وحولتها إلى حزبيَّة مقيتة، وعصبيات لا تقل عن عصبيات القبائل والأفخاذ والفصائل لتختار اللحظة المناسبة لتفجير ذلك كله، وضرب الشعب بعضه ببعض.

عاشرًا: إنَّ فتنة الدّجال التي حذرت الأديان منها تنبه إلى أنَّ الدّجال قد لا يكون شخصًا واحدًا، بل قد تكون فئات من الناس وجماعات ترتدي كل لبوس؛ لتلبس على الناس أمورهم، وتوجد البيئة المناسبة للهرج والمرج، وفقدان الحكمة، وتجاوز الاتزان، فاحذروا دعاة السوء والساعين للفتنة، والمهيئين لأسبابها من أي فئة كانوا وبأي شعار تدثروا، وكل عام أنتم بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *