Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الغرب والعلاقة مع الشعوب العربية

د.طه جابر العلواني

لقد لفتت الأحداث الجارية في العالم العربيّ -والتي تلاحقت بشكل ملحوظ- الأنظار بشدة إلى أبعاد كثيرة؛ منها الإيجابيّ وهو الأكثر، ومنها السلبيّ وهو الأقل. أمّا الإيجابيّ فلأول مرة يُظهر الغرب حرصه على أن تكون علاقاته بالشعوب العربيّة المسلمة هي الأصل، وعلاقاته بالحُكّام المستبدين هي الفرع أو الجزء الجانبي من تلك العلاقة. ففي تونس استطاع ابن علي أن يحمل فزاعة «الإسلاموفوبيا» ويبيعها للغرب، مقنعًا إياهم بأنّها البديل عن ديكتاتوريته واستبداده في تونس، وأنَّ تخليه عن أي فعل ديمقراطي جاد وصادق أمر ضروري لمكافحة الإرهاب ودرء خطر «الإسلاموفوبيا»، وحتى حين كان يُقال له: الإسلاميون في تونس معتدلون ميَّالون للديمقراطيّة يتقبلون مبدأ تداول السلطة، كان دفاعه مستمرًا بأنّ هؤلاء منافقون في هذا الذي يظهرونه، ولو تمكّنوا فلن تجدوا منهم أي صدق في هذا المجال، وسيظهرون على حقائقهم كطُلّاب خلافة شموليّة مستبدة، يتمتع الخليفة فيها بكل الصلاحيّات دون حساب ودون مؤسسات، يكفيه أن يُطبق الشريعة؛ فيقطع يد السارق ويجلد أو يرجم الزاني ويجلد شارب الخمر وما إلى ذلك. وحينها يسكت الغرب، خاصّة وقد وجد أنّ العمليّة الديمقراطيّة في الجزائر دائمًا تأتي لهم بالإسلاميين، مما يجعلهم يشعرون بكثير من القبول لتحذيرات ابن علي وأمثاله من أن الديمقراطيّة قد يستغلها الإسلاميون، حتى إذا بلغوا السلطة وأمسكوا بها تنكّروا للديمقراطيّة وانصرفوا إلى عمليّة تطبيق الشريعة وتنكروا لكل ما أعلنوه. وقد يضربون على ذلك أمثلة في نظم قائمة في بعض البلدان المسلمة، وهكذا فعل صدام من قبل، وفعل مبارك، وآخرون.

لكن بعد أن فسدت هذه النظم، ولم يعد فيها أي جانب من جوانب الصلاح يمكن لإنسان غربي يؤمن بالحريّة والديمقراطيّة أن يتقبله؛ ثمّ انطلقت شرارة الثورة الشعبيّة في تونس، أشعرت أمريكا والقوة الغربيّة ابن علي -بعد تردد- أنّها لن تقف معه ولن تدافع عن نظامه إذا أسقطته الجماهير الشعبيّة، ولن تبارك له لو أراد قمع تلك القوى الشعبيّة بالقوة، بل ستعمل على المحافظة على هؤلاء الجماهير وعلى المحتجين وعلى حقوقهم الإنسانيّة. وحين اشتعلت ثورة مماثلة لها في مصر، وانطلقت من ميدان التحرير لم يكن موقف الغرب من حسني مبارك مخالفًا لموقفه من ابن علي. فما الذي حدث؟ أهو تحوّل في وسائل التغيير من «الاغتيال السياسي» إلى «الانقلابات العسكريّة» إلى «الاحتلال» إلى «الثورات الشعبيّة»، أم هو إدراك بأنّ المصلحة المستقبلية للغرب ستكون في علاقاتها مع شعوب المنطقة لا مع حُكّامها ؟ ومن هنا فما دامت الشعوب قد سلكت سبيلها للتعبير عن نفسها، وتعلّمت كيف تشق طريقها فلا بد من إفساح المجال لها وعدم اعتراض سبيلها، وإدراك كون احتياجات «الشرق» إلى «الغرب» و«الغرب» لـ«ـلشرق» ستجعل من أمر بناء علاقات مع هذه الشعوب سبيلاً لتحقيق المصالح الغربيّة وعدم الإخلال. والأمر مطروح للنقاش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *