أ.د. طه جابر العلواني
إن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة التي عليها بني الإسلام، ولها وظائف عدة فرديَّة واجتماعيّة، وهي طهارة لنفس المزكي من الشح والبخل (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وهي طهارة لنفس المدفوع له (المستحق) من الحقد والضغينة؛ وهي حق معلوم له وليست تبرعًا ليتطهر بهذا الإحساس من الشعور بالضعة أو الذل تجاه المزكي أو غيره؛ وأداؤها على الوجه الشرعي السليم يطهر المجتمع وينقيه من أهم عوامل الصراع الطبقي والتفكك الاجتماعي، ويحقق التكافل بين الجماعة المسلمة؛ وأية إساءة للتصرف فيه سوف تؤثر فيها، وتفقدها وظائفها الكثيرة الهامة.
وقد حصر الله سبحانه وتعالى مصارفها في ثمانية مصارف لا يجوز صرف شيء منها في غيرها، وذلك في قوله تعالى: [إنما الصدقات للفقراء والمساكين].
وعلى المسلمين كافَّة حكامًا ومحكومين إدراك أهمية هذا الركن الضروريّ من أركان الإسلام، واتخاذ سائر الوسائل الممكنة لإحياء العمل به، وتحقيق سائر فوائد تطبيقه وتنفيذه للأفراد والجماعات. وتسخير سائر وسائل الإعلام والتوعية للتعريف به وبأحكامه والعناية بتعليم ذلك لأبناء الأمة الإسلامية في سائر مراحل التعليم وتربيتهم وتدريبهم على أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام الخمسة.
ومن أهم الأحكام المتعلقة بهذا الركن طريقة دفع المكلف للزكاة، وإيصال هذا الحق لأصحابه. أيجب على المكلف أن يدفع الزكاة لمستحقيها بنفسه مباشرة دون وسيط أم يجوز له أن يدفعها بوساطة من ينوب عنه من الوكلاء سواء أكان الوكيل فردًا أم هيئة وسواء أكانت الهيئة رسمية أم شعبية ؟
ولبسط هذه المسألة وبيان وجه الحق فيها إن شاء الله نقول:
إن ما جرى عليه العمل في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- بعد نزول تشريع الزكاة أنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث بالمصدقين (جباة الزكاة) ليحاسبوا أغنياء الناس على أموالهم ويجبوا منهم الزكاة ويردها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- على فقراء المسلمين. وعلى ذلك جرى العمل في عهد الشيخين -رضي الله عنهما- وفي عهد أمير المؤمنين عثمان -رضي الله تعالى عنه- أعاد الاجتهاد في ذلك، ورأى أن لكل أمير دفع الأموال إلى المكلف نفسه بشكل مباشر دون تدخل من الدولة تخفيفًا عن عاتق الدولة من ناحية، ولمنح المكلفين فرصة التصرف بزكواتهم وصرفها ونحو ذلك مما من شأنه أن يعزز الروابط المشتركة بين الأغنياء والفقراء؛ ولأن الإسلام قد أصبح ممارسة وسلوكًا للمسلمين يعيشون أحكامه ويمارسونها بطريق عفوي لا تكلف فيه، ولا يحتاجون معه إلى دوافع حكومية تدفعهم لأدائها، واستمر العمل على ذلك حتى يومنا هذا.
فالأغنياء المسلمون، يدفعون زكواتهم لإخوانهم الفقراء المسلمين مباشرة أو ينيبون عنهم من يوصل زكاتهم إلى مستحقيها.
ولا شك أن العصر الذي نعيش فيه عصر المدن الكبيرة التي يعيش فيها الملايين من الأغنياء والفقراء حيث تعقدت الحياة، وتنوعت حاجات الناس ومطالبهم، وتعددت طرق استعمال الأموال المختلفة والانتفاع بها، واختلفت وسائل استثمارها. وأمام هذه الوقائع لابد من البحث عن أفضل الوسائل لتنفيذ هذه الفريضة بشكل يحقق سائر مقاصد الشريعة منها. وقد يكون من هذه الوسائل تشكيل هيئات أو صناديق لجمع الزكاة من الأغنياء وصرفها إلى مستحقيها ومصارفها الثمانية الواردة في القرآن العظيم، فمن الممكن أن تنزل الشخصية الاعتبارية منزلة الشخص الحقيقي.