د. طه جابر العلواني
لست كاتبًا سياسيًّا ولا معلّقًا عسكرّيًا ولا مفتيًا فقيهًا، لكنّني مواطن عربيّ عاديّ أزعم أنّ ليّ الحق بهذه الصفة –وحدها- أن أقول رأيي في أيّة قضية عربيّة بقطع النظر عن أن هذا الرأي سليم سديد أو غير ذلك. وبصرف النظر عن صوابه أو خطأه، وبقطع النظر عن أنّ هذا النظر أو الرأيّ سيعجب الآخرين أو أنه لن يعجبهم.
إنّني هنا أعرض حالة نفسيَّة تحدث لي كلما سمعت عن صفقة سلاح كبيرة يعتزم عقدها أيّ بلد عربيّ أو إسلاميّ، فالعمر الذي قد عشته وقد جاوز السبعين بفضل الله، سمعت وقرأت وشاهدت فيه عشرات الوقائع لشراء الأسلحة من الغرب أو الشرق تنتهي دائمًا بتدمير تلك الأسلحة والبلد التي اشتراها حتى صار عندي بناءً على قانون بافلو وقوانين الشرط والاستجابة، هذا الشعور الذي يجعلني أشعر وكأنَّ شراء الأسلحة بحد ذاته، خاصّة المتطورة منها هو عمليّة استدعاء ضمني للآخرين للغزو والتدمير. ولذلك فقد رأينا مصر غُزيت عدة مرات بعد كسر عبد الناصر لاحتكار السلاح وشراء الأسلحة الروسيّة الشرقيّة. واشترت المملكة في عهد الراحل فيصل كميّات من الأسلحة وأشعلت حرب اليمن لتستنزف أسلحة مصر والسعوديّة –آنذاك- إضافة إلى اليمن. وحينما عوض الاتحاد السوفيتي تلك الأسلحة بصفقات جديدة غزتنا إسرائيل ودمرت ما لدينا في حرب الأيام الستة، وهيئة تصنيع السلاح العربيّة حولت إلى صناعات مدنيَّة، حيث صارت تصنع الثلاجات والطباخات والدواليب ليزول القلق الإسرائيليّ. والباكستان تم تفكيكها وتدميرها بعد امتلاكها لبعض الأسلحة، وإيران الآن تحت التهديد لإيجاد فرصة لتدمير أسلحتها.
وتدمير الأسلحة هنا لا يقتصر عليها –وحدها- بل يشمل التدمير كل شيء. والعراق أنهيت دولته وحكومته وكل مقوماته لتدمير الأسلحة التي ضُخَّت فيه أثناء حروب السنين الثماني المفروضة. وتقاتل المجاهدون الأفغان بعد رحيل السوفييت حتى آخر قطعة سلاح أهديت لهم من أمريكا أو غيرها من دول الغرب أو غنموها من السوفييت. ثم عادوا لتدمير ما بقي بهذا الغزو الذي نشاهده كلنا.
لقائل أن يقول: “إنَّ هناك خطرًا إسرائيليًّا ولابد لنا من التسلح لحماية أنفسنا”، فأقول: كانت حرب العاشر من رمضان/ السادس من أكتوبر ، بالنسبة لهذه المرحلة آخر حروبنا الكبرىٰ أو الموسّعة مع إسرائيل. وها نحن نقدم المبادرة بعد الأخرى لإقناعها بقبول مبدأ السلام معنا. فلمن نشتري الأسلحة؟ إنني أخشى من الحروب الصغيرة على الحدود أكثر مما أخشىٰ أحيانًا من الحروب الكبيرة؛ فشراء الأسلحة يعني –في نظري- أحد أمور ثلاثة:
الأول: تقوية الجيوش للقيام بانقلابات عسكريّة؛ والثاني: غزو البلد وتدميره والاستيلاء على ثرواته بحجة امتلاكه أسلحة متطورة؛ والثالث: إثارة حروب صغيرة ومشكلات حدوديّة وما إلى ذلك، لاستنزافه وتدمير السلاح الذي اشتراه.
إنّ مصانع السلاح نقمة على البشريّة وجريمة ضد الإنسانيّة لا ينبغي تشجيعها ولا الاستمرار فيها. ولقد استولوا في الأزمة الاقتصاديّة وبدايتها على (2 تريليون) من أموال العرب والمسلمين لدى حدوث الأزمة، فالانهيارات الاقتصاديّة التي حدثت تحمّل العرب ما لا يقل على (20%) منها بشكل معلن وهي نسبة عالية جدًا. واليوم يطالَبُ بتشغيل مصانع السلام ومنحها الحياة والاستمرار.
إن هناك تجربتين تاريخيّتين من المفيد أخذ الدروس منهما: أحدهما عربيّة والأخرى يابانيّة يستحقان النظر. إنّ التجربة العربيّة كان موطنها العراق، فالعراق في الخمسينيّات كان يواجه تهديدين. تهديدًا شيوعيًّا سوفيتيًّا، وهو تهديد كان يشارك العراق آنذاك في الانزعاج منه الغرب كلّه. وتهديدًا لا يشارك العراق فيه إلا العرب والمسلمون، وهو التهديد الإسرائيّلي. فحاول العراق الملكيّ التغلّب على التهديد الأول بدعوة أمريكا وبريطانيا لتسليح الجيش العراقيّ تسليحًا كاملاً بنفقتهما وعلى حسابهما. مستغلاً قلق الغرب على إسرائيل والمصالح الغربيّة. واستطاع أن يعيد تسليح الجيش العراقي بجميع الأسلحة الجويّة والبريّة والبحريّة دون أن يدفع قرشًا واحدًا من أموال العراق؛ وقال قادته –آنذاك- للغرب أنّ غير العراق معنيٌّ بشكل مباشر بعرقلة الجيش الأحمر. وخطره يستطيع أن يتلافاه بأن يسمح للقوات السوفيتية إذا رغبت بالذهاب باتجاه قناة السويس وأوروبا مرورًا بأفريقيا، وأن يفسح لهم المجال بالمرور لأنّهم لا يقصدون العراق بل أوروبا والمصالح الغربيّة هناك. وحينما اقتنعوا بذلك تأسّس حلف بغداد على أمل أن يضم العرب ودول الإقليم الأخرى تركيا، إيران، والباكستان؛ لكن أسبابًا كثيرة دفعت الراحل عبد الناصر لأن يقف ضد الحلف ويحاصر نوري السعيد والسياسة العراقية آنذاك ويحبط محاولاته. لقد كان العراق موفقًا في تحميل الغرب مسؤولية تجديد جيشه، وتجديد سلاح جيشه من أحذية الجنود إلى الطائرات دون أن يخسر من ميزانيّة العراق درهمًا واحدًا.
أما الدرس اليابانيّ، فهو درس مختلف قد لا تقبله النفس العربيّة صراحة؛ ذلك لأنّ اليابان كما نعلم بعد هزيمتها في الحرب الثانية وتدمير القنابل الأمريكيّة لهيروشيما ونكازاكي تقرر أنّ تبقى منزوعة السلاح وأن يتولى الدفاع عنها قوات أمريكيَّة تقيم في قواعد تم تحديدها. كان اليابانيّون في بادئ الأمر متذمرين من ذلك الاتفاق، لكنّهم بعد أن استردوا أنفاسهم تضاحكوا وشعروا بأنّهم رابحون في تلك الصفقة، فقد حوّلوا القوات الأمريكيّة الغازية سابقًا إلى قوات مرتزقة يعملون لديهم بأجر ثابت معلوم للدفاع عن جزرهم وحماية أمنهم. وتفرغوا هم للاقتصاد الذي استطاعوا أن يتفوقوا فيه في نواحٍ كثيرة على أمريكا وصناعتها ويفرضوا عليها مبدأ المشاركات في صناعات كثيرة ليقفوا منها مرة أخرى موقف الأنداد. من هنا بحكم انتمائيّ إلى العرب والمسلمين، أجدني مضطرًا للتحذير من إغراءات صفقات الأسلحة المتطورة، فنحن العرب بحكم موروثاتنا الثقافيَّة نحب القوة ونحب السلاح ونفاخر به، يقول عنترة لعبلته:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
منيّ وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنّها
لمعت كبـارق ثـغرك المبتسم
ويقول زهير:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم
لكننّا في حاجة إلى كل قرش من أموالنا لمستقبل أجيالنا الطالعة التي لا ندري ماذا ستواجه في مستقبلها المنظور وما بعده ]وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا[ (النساء: 9)، ]وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً [ (النساء: 5).
مبيعات الأسلحة للعرب:
السعودية رقم 8 | 39.257 مليارًا أي ما يعادل | 28% من الناتج القومي |
الإمارات رقم 19 | 13.52 مليار أي ما يعادل | 5.9 % من الناتج القومي |
إيران رقم 24 | 9.174 مليار أي ما يعادل | 2.7 % من الناتج القومي |
تركيا رقم 16 | 19.9 مليار أي ما يعادل | 22% بالنسبة للناتج القومي |
إسرائيل | 14.309 مليارًا أي ما يعادل | 7% من الناتج القومي |
الجزائر | 5.677 مليارًا أي ما يعادل | 3% من الناتج القومي |
الكويت | 4.589 مليارًا أي ما يعادل | 23% من الناتج القومي |
عمان | 4.3 مليارًا أي ما يعادل | 7.7 % من الناتج القومي |
مصر | 3.665 مليارً أي ما يعادل | 2.3 % من الناتج القومي |
المغرب | 3.143 مليارًا أي ما يعادل | 3.4 % من الناتج القومي |
السودان | 1.971 مليارًا أي ما يعادل | 4.4% من الناتج القومي |
سوريا | 1.883 مليارًا أي ما يعادل | 3.4 % من الناتج القومي |
الأردن | 1.392 مليارًا أي ما يعادل | 5.9 % من الناتج القومي |
اليمن | 1.196 مليارًا أي ما يعادل | 4.2 % من الناتج القومي |
ليبيا | 1.100 مليارًا أي ما يعادل | 1% من الناتج القومي |
أريتريا | 37 مليونًا أي ما يعادل | 2.9% من الناتج القومي |
العالم صرف في عام 2009م 1531 مليارًا على الأسلحة S.I.P.R.I (معهد استوكهولم العالمي لبحوث السلام) زيادة مقدارها 5.9% عن 2008م، وزيادة مقدارها 49% عن سنة 2000م.