د. طه العلواني
«التدبُّر» ينبغي أن يكون حالة عقليَّة ونفسيَّة تصحب المؤمن في سائر أحواله. فلا يخلو المؤمن من تفكُّر في الكون والخلق ونفسه والآفاق، وحياته ودوره فيها ومهامّه التي عليه إنجازها في هذه الحياة الدنيا استعدادًا للرحيل إلى دار القرار.
والإنسان عرضة للتقلّب في أحوال مختلفة من صحَّة ومرض واعتلال واعتدال وغى وفقر وغير ذلك من شئون وشجون الحياة والله _سبحانه وتعالى_ قد حرّرنا تحريرًا تامًا عقولاً وقلوبًا وأفئدة وقوى وعي من الخوف من أيّ أحد أو شيء في غيب أو شهادة فلا ينبغي أن نظن أو نتوهَّم بأنّ السحر والشعوذة أو الجن أو الشياطين أو الملائكة إضافة إلى البشر يملك لنا ضرًا أو نفعًا؛ لأنّ النفع والضرر بيد الله وحده، فهو الذي خلقنا وهدانا، وهو الذي أطعمنا وسقانا، وإذا مرضنا لأيّ سبب وبأيّ سبب فهو من يشفينا من الأمراض، لا يمسُّنا سوء دون علمه ولا يكشفه إلا هو، ولا يمسُّنا خير إلا بفضله ومنّه ونعمته.
إنّ الإصابة بالعين والحسد والنفس والسحر من الأمور التي تغلغلت في المخيال الشعبيّ، ودخلت مختلف أنواع الثقافة الشعبيَّة، فإمّا أن تربط بالجن والشياطين والأنفس الشرّيرة، وتقود الناس إلى الشرك، واللجوء إلى الدجالين والمشعوذين ومنّ إليهم. أو أن تقنع من يتعرضون إلى مثل هذه القضايا باستعمال “الرقىٰ الشرعيَّة” واللُّجوء إلى الله –تعالىٰ- لإنقاذ من تعرّض إلى شيء من ذلك، واعتقد بأنّه قد حصل له شيء نتيجة تأثير شيء ممّا ذكر. “فالرقية الشرعيّة” تحفظ على هؤلاء الناس إيمانهم، وتؤكد على نسبة النفع والضرر إلى الله _سبحانه وتعالى_ ويلجأ إليه بأدعية مشروعة وقراءآت قرآنيَّة لا مأخذ شرعيٌّ عليها اللّهم إلاّ إخراجها من سياقها وتلاوتها مبتسرة غير تامَّة. وهذا أمر قد أجازه جمهرة العلماء، ومنهم الإمام الشافعيُّ في الاستشهاد على الأحكام كما ورد في كتابه “أحكام القرآن” الذي جمعه البيهقيّ من كلمات الإمام.
إنّ “الرقيّة الشرعيَّة” تذكر الإنسان بالله –تعالىٰ- وبآيات الكتاب الكريم التي تبعث في الإنسان الأمل، وتنعش عنده جهاز المناعة، وتمده بطاقة وقوة نفسيَّة وعقليَّة، خاصّة عندما يصحبها تدبّر لآيات الرقية وفهم لها.
إنّ معاصي الإنسان ومخالفاته تجرّده من أسلحته بوجه الشيطان. والشيطان لا سلطان له ولا تأثير إلاّٰ على الذين يتولونه والذين هم به مؤمنون. لكن معاصي الإنسان تضعف سائر أجهزة المناعة لديه، وتزيده ضعفًا على ضعفه الخلقيّ: ]وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً[ (النساء: 28)، ]وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ[ (الزخرف: 36-37).
إنّ هناك كلمات مفتاحيَّة وتصرفات من شأنها أن تفتح للشيطان منافذ يدخل منها ليوسوس ويوحي إلى أولياءه ما يشاء، منها: الإكثار من استعمال كلمة “لو” كأن يقول الإنسان: “لو فعلت كذا لما حدث كذا” ونحو ذلك مما يسلم الإنسان إلى أسف أو حزن لن يعود عليه بشيء. وقد سن لنا في مثل هذه الأحوال أن نقول: “قدّر الله وما شاء فعل”.
ويعدُّ “الاختلاف والغضب والسخريّة من الآخرين والاستهزاء بهم والخوض في آيات الله …” من أهم مداخل الشيطان، بل هي بمثابة دعوات مفتوحة للشيطان ليمارس تدخله. ولذلك نهانا الله عن ذلك –كلّه- وإذا حدث شيء من ذلك على سبيل الخطأ أو النسيّان فليسارع من وقع في شيء من ذلك إلى تغيير موقعه أو مغادرة الجلسة أو تغيير الموضوع أو أي وسيلة مشروعة سليمة لإنهاء الحالة أو تجاوزها.